أولها وأهمها تأخرنا في ردة الفعل ومعالجة الأمر، والتزامنا كدول خليجية بالمعايير الأخلاقية التي أصبحت لا مكان لها في ظل تشكل عالمنا الجديد.
فدول الخليج امتنعت عن التدخل في شؤون الآخرين، واكتفت بالمساعدات الإنسانية أو اللوجستية المقيدة وفق المصالح لقوى سياسية دولية، دونما مراعاة لمصالحها التي تهددت أكثر من مرة، وأصرت على الالتزام بالاتفاقات والتعهدات الدولية واحترام مبدأ السيادة الوطنية، مما سمح بالتمدد الإيراني في ظل غياب ردة فعل عربية أو خليجية لمدة طويلة حتى وصلت إيران لأبوابنا.
ثانياً استغلال إيران ووعيها المبكر لنظام دولي جديد تتشكل ملامحه في ظل غياب وانحسار أمريكي تام عن المشهد الجيوسياسي، حتى مجلس الأمن لم يعد للولايات المتحدة الأمريكية كلمة فيه، فتجرأت روسيا على كل انحسار أمريكي أوروبي أو آسيوي وملأت فراغه، فحين تجاوز بشار الأسد الخط الأحمر الذي رسمه أوباما ولم يجد ردة فعل تجرأت روسيا وتمددت بسرعة بالتعاون مع من هم على الأرض وكانوا «للصدفة» «قوات النظام السوري وإيران»!!
وسواء بسبب الحقبة الأوبامية الكارثية أو بسبب الانشغال بالحقبة الترامبية وعدم جهوزيتها، إلا أنها فرصة لن تتكرر لروسيا لا بد أن تنتهزها، فتمددت وعلى أثرها تمددت إيران في سوريا.
وبعد أن خسرت الولايات المتحدة الأمريكية امتيازاتها التي احتكرتها في دول الخليج والفلبين وشرق أوروبا، قفز الدب الروسي لكل تلك المواقع منتهزاً هذه الفرصة التي لن تتكرر، فلم يمر على التاريخ الأمريكي مثل هذا الانحدار في النفوذ، لقد مسح بوتين بهيبتها البلاط، فهي فرصة للدب الروسي أن يأخذ ما اتخذ من مواقع تعيد له قطبيته في النظام الدولي الجديد.
أضف لذلك أن روسيا تريد الوصول للبحر الأبيض المتوسط من أجل إيجاد طريق لنفطها وغازها، وتريد قاعدة جوية وميناء لها هناك، ولن تجد كالأرض السورية المحترقة فرصة لتحقيق هذا الحل، فهي الآن تعدها أرضاً محروقة بلا بشر وبلا حجر، وهي أوضاع تناسب جداً قيام تلك المواقع الاستراتيجية الجديدة على أنقاض حرائقها، مكاسب ومغانم ما كانت لتحلم بها حين كانت أمريكا صاحبة قرار، فانتهزتها فرصة وليمت من أجل هذا الحلم مليون سوري وماذا في ذلك، فما هم سوى عرب!!
فهل هناك أفضل من هذه الأوضاع للمشروع الإيراني أن يتحالف مع الروس حيثما وجد النفوذ الروسي «سوريا» ويتحالف مع الأمريكان حيثما وجد النفوذ الأمريكي «العراق»؟
فإيران دولة لها مشروعها التوسعي، لا يهمها أن تحقق على حساب مئات آلاف من النازحين ومثلهم من القتلى ومثلهم الذين ماتوا في البحر ومثلهم في المخيمات من بشر ما داموا عرباً، قتلهم النظام السوري ومدته إيران بالسلاح والرجال بادعاء الحفاظ على مراقد الأئمة!!!! «أكثر الأسباب هزالة» كي تجد إيران موقعاً لقدم لها يصلها بالبحر الأبيض المتوسط ويسهل لها طريقها من طهران عبر بغداد المحتلة إلى موانئ سوريا بعد أن سيطرت على بيروت.
بالمناسبة أين داعش؟ لا نسمع إلا عن سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة واحدة في بغداد وأخرى في عدن وأكثر الهجمات جرت في السعودية ينفذها أفراد يوجهون من خلايا هنا وخلايا هناك لقتل أي طرف يعطل إيران عن مشروعها، فأين الدولة الداعشية؟ أين أسراهم؟ أين قتلاهم؟ أين جثثهم؟ أين غنائمهم؟ سؤال للذين ظنوا أن الإرهاب هنا والتشدد هنا والخرافة والتخلف هنا عند داعش «ضحكتوني».
نعود لموضوعنا إيران تمددت لأن لديها مشروعاً توسعياً أولاً، ويعتمد على تحالفاته مع القوى العظمى التي تعيد رسم النظام الدولي من جديد «الروس والأمريكان» ثانياً، واعتمد مشروعها على معرفتها بأن دول الخليج ستبقى تحترم التزاماتها وتعهداتها بالمعايير الأخلاقية ثالثاً، في الوقت الذي خرقتها إيران دون أن يرف لها جفن، أما الأهم من كل تلك الأسباب مجتمعة فهو السبب الذي أقر به صبحي الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله، وهو وجود مجموعات شيعية خانت أمتها العربية الإسلامية وقبلت أن تكون حذاءً إيرانياً وهي التي فتحت الباب لهذه المجازر أن ترتكب ثأراً للحسين!!