سبق انهيار الحقبة العربية التي دامت نحو ثمانمائة سنة في الأندلس، انقسام الدولة إلى دويلات بلغت أكثر من عشرين دويلة على رأس كل منها أمير مؤمنين وقائد طائفة خاص بها. وانتشرت الصراعات بين القيادات المقسمة واستنزفتهم إلى أن تم إنهاء حكمهم وتهجيرهم.
الأوضاع في أجزاء من الوطن العربي اليوم ليست بعيدة عن حكاية الأندلس وهي مهيأة لتطبيق الخارطة التي اقترحها الجنرال الأمريكي رالف بيترز في 2006 للشرق الأوسط، والتي تقسّم المنطقة على أسس دينية ومذهبية وعرقية ونشرتها المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة «أرمد فورز جورنال». رأى الجنرال أن تقسيم المنطقة سابقا على أسس جغرافية لم يكن فعالاً وأن التقسيم على أساس الدين والمذاهب والأعراق «عادل» ويحقق الأمن بعد فصل كل طائفة وقومية عن بعضها.
بطبيعة الحال قيل إن هذه الخارطة لا تمثل وجهة النظر الأمريكية الرسمية. إعلان واشنطن في خطاب مباشر رغبتها في تقسيم الدول العربية وجوارها يعتبر خطابا معاديا ومنتهكا لسيادة الدول فكان لزاماً طرح مشروع رنان يهدف «للأمن والاستقرار» و»نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان»، تحت مسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد» أو الكبير وعرضت الولايات المتحدة بنوده في اجتماع الدول الصناعية الثمان قبل سنتين تقريباً من نشر خارطة رالف.
على أثر المشروع تواصلت ونسقت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون مع قيادات معارِضة في الدول العربية والدول الأخرى المعنية وصولاً إلى «الخريف» العربي، ومن بين من اختارتهم واشنطن لنشر ديمقراطيتها أحزاب دينية ومذهبية لا تؤمن بهذه القيم ولا تمارسها على الأرض.
الكولونيل المتقاعد من الجيش الأمريكي، أندرو جيه باسيفيتش يبين في كتابه الجديد «حرب أمريكا من اجل الشرق الأوسط الجديد» ويتتبع الآثار الكارثية التي خلفتها السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، ويعلق مدير مكتب الشرق الأوسط السابق لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية كريس هيدجز على الكتاب قائلاً إن «الغطرسة السياسية الأمريكية والحروب التي شنتها ولّدت مظاهر من العنف العدمي والجهاد المتطرف، وتركت واشنطن وراءها عدداً من الدول الفاشلة وحالة واسعة من التدمير والرعب والموت».
على عكس اعتقاد مؤلف الكتاب بفشل أهداف واشنطن في المنطقة، ومن وجهة نظر «الفوضى الخلاقة» على الأقل: المشروع ناجح والفوضى ناجحة ومستمرة.