كان الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كخليفة للمسلمين يخاف كثيراً أن يحاسبه ربه على أي تقصير لمدى إخلاصه لرعيته وتلبية احتياجاتهم، حتى لو كان على حساب راحته.. وهكذا كان الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وبقية الصحابة رضوان الله عليهم.
في يوم شديد الحرارة، وجد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، رجلاً يسوق جملين والهواء يلفحه، فأشفق عليه، وأرسل غلامه ليدعوه حتى يستظل، فلما اقترب الرجل من هذا الرجل، فوجئ بأنه الخليفة عمر بن الخطاب فسأله: «ما الذي أخرجك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين»، فرد عمر «تخلف بكران من إبل الصدقة عن الحمى «المرعى»، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما». وعندما طلب منه عثمان أن يأتي ليستظل بسبب الحرارة الشديدة، ويشرب شيئاً من الماء أجابه عمر بن الخطاب: «عد إلى ظلك ومائك يا عثمان، والله لو تعثرت عنزة بأعلى اليمن ليسألني إلهي لماذا لم أعبد لها الطريق».
ومضى يسوق البعير في الوهج وعثمان بن عفان يقول: «من أراد أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى عمر بن الخطاب».
ورآه علي وهو يركض وراء هذين الجملين في نفس الموقف فقال له عندما علم بهدفه: «لقد أتعبت الذين سيجيئون من بعدك يا عمر».
فرد عليه عمر بن الخطاب: «والله لو أن دابة هلكت بأقصى أرض المسلمين لأخذ بها عمر يوم القيامة».
هكذا كان الخليفة عمر الزاهد يرى واجبات الحاكم، وحرصه على المال العام، وتجاوز اهتمامه بشعبه، إلى الحيوانات التي تحت رعايته كخليفة. وكان الخليفة عمر بن الخطاب يعامل المسيحيين واليهود مثلما كان يعامل المسلمين، يحنو على ضعيفهم ويرعى فقيرهم.
وفي يوم وجد شيخاً يتسول فسأله عن أمره، فقال له الشيخ إنه من أهل الكتاب. فسأله عمر «من أي من أهل الكتاب أنت؟». فقال الرجل «أنا يهودي يا أمير المؤمنين». قال عمر «وما ألجأك إلى هذا «التسول»». قال الرجل «الجزية والحاجة والسن»، فأمر عمر فوراً بإعفاء هذا اليهودي الشيخ دفع الجزية وخصص له مبلغاً من دخل الدولة، ثم أرسل هذا الخليفة الجليل العادل إلى عماله في الولايات أمراً قال فيه: «انظر هذا الشيخ وأمثاله، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته «شبابه» ثم نخذله عند الهرم «الشيخوخة»».
لم يقل يهودي أو مسيحي لأنه لم يهتم بدينه مادام من رعيته، وهو يعطينا درساً في احترام الأديان، فما بالك بالمذاهب الإسلامية. وأين يوجد من الحكام في ذلك الوقت من هم أكثر تسامحاً وحباً لأصحاب الأديان الأخرى الذين يعيشون معهم في الدولة مثل الحكام المسلمين بعد استقرار الحكم.
كان عمر بن الخطاب يختار من فقهاء الصحابة أوثقهم وأكثرهم التصاقاً بالرسول الكريم وكان علي بن أبي طالب واحداً منهم. وكان يقول دائماً «أحبكم إلي من أهدى إليّ عيوبي».
فهل كان حال العرب والمسلمين سيكون بهذا المستوى من الضعف والتشتت لو كانوا يسيرون على هدي أخلاق الصحابة وإيمانهم ومشاوراتهم لحكماء الأمة وفقهائها ومتخصصيها في مختلف العلوم في المشورة وقبول آراء من يخالفونهم في سبيل مصلحة الأمة والاعتراف بأخطائهم والرجوع عنها لمصلحة الدولة.
كان عمر بن الخطاب كخليفة للمسلمين يأنس بعلي بن أبي طالب، ويكثر من صحبته.. ورغم فارق السن الكبير بينهما إلا أنهما كانا صديقين حميمين متحابين، يعرف كل واحد منهما قدر الآخر، وكان عمر يقول دائماً «أقضانا علي»، وإذا صعبت عليه في قضية ولم يجد علياً ولم يطمئن قلبه إلى قضاء فيها يقول: «قضية ولا أبا الحسن لها»، وكم من مرة قال عمر «لا أحياني بأرض ليس فيها أبو الحسن».
وكان علي بن أبي طالب يبادل عمر بن الخطاب هذا التقدير ويروي دائماً ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم من فضائل عمر، وكان علي يقول «خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر».
وكم من مرة تحدث علي بن أبي طالب عن تواضعه وحبه، لعمر بن الخطاب «ما كنا نبعدُ «نستبعد» أن تكون السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه»، «وهو يعني بالسكينة الإلهام». يتبع.