قبل نحو عقد من الزمان وفي حديث جادٍ مع أحد أعضاء المجالس البلدية حول مشكلة الازدحامات المرورية قال لي بالحرف الواحد «ستتحول البحرين بعد 10 أعوام من الآن إلى مقبرة للسيارات في حال ظل الوضع على ما هو عليه». هذه النبوءة بدأت تتحقق على أرض الواقع، فاليوم كل الشوارع وكل المدن وكل القرى وكل الأزقة تحولت إلى مقبرة للسيارات، فلا تكاد تستطيع السير بشكل مريح في كل مناطق البحرين، حتى تحولت ساعات الذروة عندنا إلى 24 ساعة!
يبدو أن عدد المركبات البحرينية «فقط» التي تسير في شوارع البحرين قد تجاوزت حاجز الـ 600 ألف مركبة، في حين لو أضفنا إليها نحو 300 ألف مركبة تزور البحرين خلال الأسبوع الواحد «فقط»، سنجد أن العدد بات مخيفاً جداً إذا ما تمت مقارنة ذلك بعدد النسمات، بمعنى آخر، أن مساحة البحرين بأكملها لا تتحمل هذا الضغط الرهيب على شوارعها المتواضعة، ومن هنا أصبح البحث عن حل لهذه الأزمة أشبه بالنكتة، لأننا لا نحتاج إلى حل واحد أو إلى عشرة حلول وإنما نحتاج إلى ثورة تصحيحية تتعلق بالمركبات وأعدادها والشوارع وتخطيطها، فالحلول الترقيعية والعلاجات المسكنة لن تحل أزمة الاختناقات المرورية في البحرين على المدى البعيد، بل ربما تؤخر هذه الحلول التخديرية كافة الحلول الشمولية التي يجب أن تنتهجها الدولة لأجل عيون المستقبل.
يجب إعادة صياغة قانون إعطاء رخص قيادة المركبات والذي ليس له أي قانون أصلاً في سبيل الحصول عليه في البحرين سوى أنك تتجاوز سن الـ 18 من العمر، أما بقية الأمور والاشتراطات فهي أسهل من «شرب الماء»، هذا من جانب، أما بالنسبة إلى مدى استيعاب شوارعنا ومدننا لهذا الكم الهائل من السيارات فإننا بحاجة إلى إحداث طفرات هائلة في تخطيط تلك الشوارع والمدن ورصد موازنات ضخمة من أجل أن تستوعب شوارع البحرين كل هذه السيارات. كذلك يجب أن تكون هناك ضوابط لامتلاك السيارات ونوعها وطرازها وحجمها وعددها، فما يجري اليوم من قوانين تتعلق بهذا الشأن لا علاقة له بأي تخطيط أو دراسة، وإنما تسير كل هذه الأزمات المرورية المعقدة وحلولها وتنظيمها على «البركة» وعلى بعض رجالات المرور.
إن اختلال الوضع المروري في البحرين والذي بات مكشوفاً للصغير قبل الكبير وللأعمى قبل المُبصر يجب أن يجابه بقوة التخطيط وبقرارات شجاعة تحسم أمر هذه الأزمة التي تؤرق كل أبناء هذا الوطن والمقيمين فيه، فالسكوت أو غض البصر عن أزمة بحجم أزمة شوارعنا ومركباتنا في البحرين يعتبر تقصيراً في أداء حق هذ الوطن وتهرباً من المسؤولية التي لابد أن تؤدي إلى تصحيح مسار هذه الأزمة التي تفاقمت بسبب الإهمال والصمت غير المبرر. فهل سيأتي اليوم الذي تجتمع فيه أطراف هذه الأزمة لأجل معالجتها بشكل كامل وجاد؟ أم سنركن سياراتنا في الأيام القادمة لنستخدم «السيكل» حتى لو أهدرنا كل وقتنا في سياقته كما هو الحال اليوم مع مركباتنا التي لا تتحرك في شوارعنا أصلاً؟