الحقيقة التي يجب أن تعترف بها «المعارضة» على اختلافها هي أن استمرار الحال على ما هو عليه ليس في صالحها أبداً، فالخسائر التي تكبدتها في الشهور الأخيرة على وجه الخصوص كبيرة، وواقع الحال يؤكد أنها لن تتحمل المزيد من الخسائر وأنها لم تعد قوية، لذا فإن خيار المكابرة يضرها ولا ينفعها، والإصرار على مواصلة الطريق بالسقف المرتفع الذي اختارته لن يوصلها إلى المكاسب التي تأملها حتى مع حصول تغيرات غير متوقعة في المنطقة، ثم إن من حق الناس الذين رفعت شعارات الانتصار لهم واحتمت بمظلتهم أن يكونوا على بينة من خطوتها التالية بعد كل هذه السهام التي نالتها والجروح التي امتلأ بها جسدها.
الاستمرار بالطريقة نفسها خيار خاسر، والمتاح واقعاً ومنطقاً هو التراجع وإعادة النظر في كثير من الأمور والاتفاق على خفض سقف المطالب في هذه المرحلة. هذا هو كلام العقل، أما كلام العاطفة فسيتسبب في المزيد من الخسائر ويغلق ما تبقى من أبواب ظلت مواربة. التراجع ليس نهاية العالم وليس عيباً، فـ»المعارضة» في كل مكان تسعى لتحقيق أهداف معينة في مرحلة معينة تحكمها ظروف لا تستطيع أن تتحكم فيها، فإن لم تتمكن من تحقيق تلك الأهداف ووجدت أن خسائرها أكثر من مكاسبها تراجعت وأعادت حساباتها، فالتطاول على الواقع يؤذيها ويعبر عن ابتعادها عن العقل والمنطق.
«المعارضة» هنا سعت إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، ربما تحقق بعضها لكن الأكيد أن بعضها الآخر والأكثر والأهم لم يتحقق، وطالما أن الحسابات تبين أن ما ستخسره لو واصلت سعيها أكثر مما ستكسبه فإن عليها أن تحكم عقلها وتنظر إلى الأمور بواقعية خصوصاً وأنها ربطت مصائر الكثيرين بها.
ليس منطقاً وليس عقلاً مطالبة الناس بتحمل المزيد من الآلام والمزيد من الصبر وتقديم المزيد من التضحيات، وهو ما يفعله الشاحنون من الخارج يومياً عبر الفضائيات «السوسة» حيث لايزالون مستمرين في عملية الشحن والتحريض والدعوة إلى مزيد من التحمل ومزيد من الصبر، فما جرى على الناس كثير ومؤلم ولا تستطيع «المعارضة» تعويضهم عنه، وفي هذا ظلم لهم بل ظلم كبير، والتعلق بأمل الحصول على «المدد» من إيران أو غيرها هو خيار المجانين الذين لا يدركون طبيعة المنطقة وطبيعة المرحلة ولا يعرفون شيئاً عن تاريخ المنطقة وما يجري فيها من أحداث وتطورات.
ليس عدلاً السير بالناس في مسار خاسر، وليس عدلاً مواصلة العناد بينما كل المعطيات تفيد أن الوصول إلى المبتغى مستحيل، وليس كل الأمور تعالج بالتعلق بالأمل، فعندما تكون الخسارة واضحة وأكيدة يكون التعلق بالأمل ضرباً من الجنون.
في حال كالتي صرنا فيها لا يمكن للحكومة أن تتراجع، هذه حقيقة، لكن يمكن لـ»المعارضة» أن تتراجع، وهذه حقيقة أيضاً. وهذا ما يقوله الواقع والمنطق، وبما أن الحكومة صارت تحصد المكاسب وصارت «المعارضة» تحصد الخسائر لذا فإن الطبيعي والمنطقي هو أن تتراجع «المعارضة» فتنظر إلى الأمور بواقعية وتكتفي بما ضاع منها وتترك الناس يعيشون بالكيفية التي يضمنون بها مستقبل أبنائهم.
طبعاً قلة خبرة «المعارضة» على اختلافها تدفعها إلى عدم الأخذ بمثل هذا الكلام أو الاستماع إلى نصيحة العقلاء، لذا فإن المتوقع بل الأكيد هو أن تواصل في طريقها الخاسر حتى تنتهي، وهذه هي طبيعة العقلية العربية التي تقبل بالمزيد من الخسائر على أن يفهم أنها رفعت الراية البيضاء أو حتى تعلن أنها ستتوقف لترتاح قليلاً أو لتعيد تنظيم صفوفها.
هناك واقع جديد لا مفر لـ«المعارضة» من التعامل معه، وعنادها ليس في مصلحتها.