يتفاجأ الأوروبيون عندما يشاهدون معرضاً بحرينياً في بلدانهم يروج لقيم التسامح والتعايش والسلام، فيلتقون بشخصيات من مكونات متنوعة أحدها مسيحي والآخر يهودي إضافة إلى بهائيين وهندوس ومسلمين شيعة وسنة وغيرهم. فيسألون كيف يمكن أن يكون هؤلاء من البحرين؟! ويأتي سريعاً سؤال آخر: هل تتمتعون جميعاً بحرياتكم الدينية والمدنية في البحرين؟
هذا الموقف يتكرر عندما تقام فعالية «هذه هي البحرين» التي يقيمها اتحاد الجاليات الأجنبية بين العواصم المختلفة. وهو يعكس حاجتنا للتعريف بمجتمع البحرين المتنوع والفريد من نوعه في إقليم الخليج العربي.
قد يصادف الكثير من الخليجيين الاستغراب عندما يكتشفون هذه الحقيقة أيضاً، فمجتمعنا المعروف بهويته العربية الإسلامية كان ولايزال واحة للتعايش والانفتاح على مختلف الحضارات والأديان والثقافات والمذاهب والأعراق. هذه الحقيقة كانت سائدة في مجتمعنا منذ قرون طويلة، لكن يبدو أن انشغال البحرينيين بحياتهم اليومية، ووجود سمات التعايش في ثقافتهم أنستهم حقيقة ما يميزهم من قوة، وهي القوة الخفية التي لا يدركونها وساهمت في حفظ مجتمعهم، وأمنهم واستقرارهم، ومنعت مكتسباتهم من العبث على الدوام.
سأل أحد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة دبلوماسياً بحرينياً في أحد الاجتماعات قبل سنوات عن الأوضاع في البحرين، فأخذ الدبلوماسي يشرح للمسؤول الأممي الظروف التي تمر بها البلاد، وحجم التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية المحلية، والتزم المسؤول الأممي الصمت وهو يستمع لحديث الدبلوماسي الذي أخذته الحمية في الدفاع عن وطنه. وعندما أنهى الدبلوماسي كلامه فاجأه المسؤول الأممي قائلاً: لا تقلق، البحرين محمية بقوة تنوعها. استغرب الدبلوماسي البحريني من الكلام الموجز للمسؤول فأوضح له بالقول: من يعرف تاريخ البحرين جيداً سيلاحظ أن محاولات غزو البحرين من الخارج باءت بالفشل، والقوى الأجنبية التي سيطرت عليها فترة من الزمن انتهت، ليس بالحروب وإنما بقوة شعب البحرين المتنوع الذي يرفض أن تسيطر عليه قوة خارجية، لذلك كان مستحيلاً انفراد إحدى القوى بالسيطرة عليها فترة طويلة، وحتى التحديات الداخلية يكون مصيرها الفشل لأن الشعب متنوع ويرفض السيطرة عليه من إحدى القوى السياسية مهما كان تطرفها.
خلاصة هذا الحديث المهم أن قوتنا في تعددنا، هذه هي معادلة الاستقرار في البحرين التي شاهدها الأجداد، وشاهدها الجميع في انقلاب 2011 عندما رفض الشعب بمختلف مكوناته السيطرة عليه من فئة راديكالية ثيوقراطية تحمل أجندات خارجية، في النهاية فشلت واعترف المنضوون فيها بفشلهم علانية.
أدرك حكام البحرين من العائلة الخليفية المالكة منذ فتح الفاتح لها هذه الحقيقة فحافظوا عليها وصانوها كما صانوا حقوق الشعب بمختلف مكوناته في مرحلة ما قبل الاستقلال، ومرحلة ما بعد الاستقلال عندما صارت قيم التعايش ممأسة دستورياً.
حتى نحافظ على انفتاح البحرين وتسامح مجتمعها وشعبها جيلاً تلو آخر لا بد من العمل على تكوين ثقافة عامة تؤمن بخصوصية المجتمع التعددي، وتؤمن بأهمية التسامح، وأن التنوع في البحرين قوة وليس ضعفاً.
البحرين ليست للسنة، وليست للشيعة، وليست للمسيحيين، ولا اليهود، أو البوذيين. البحرين لجميع البحرينيين مهما كانت أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، كانت كذلك، وستبقى على هذا الحال فقوتها في تنوعها.