لم تلامس الشبكة العنكبوتية في القرن الماضي النجاح الذي حققته في القرن الواحد والعشرين من حيث الانتشار والتغلغل في حياتنا اليومية، بالشكل الذي أصبح لا يغدو يوماً دون أن نزورها ونتعامل معها كل على حسب احتياجاته. فمنذ عقدين أو ثلاث كان مازال البريد له بريقه وكانت شبكات التواصل البريدي والتعارف بين الأجناس تنشط ولها عائد ومردود ولكنها اندثرت تحت أقدام العملاق الكبير الذي قضى على آخر معاقل التواصل الورقي، لكي تندثر المراسلات الورقية وينوب عنها الإيميل و»الواتس» وغيرهم.
إن هذه المواقع على مختلف مسمياتها وأنواعها لم تعد عالماً افتراضياً كما كان يطلق عليها بل أصبحت تلامس حياتنا اليومية بشكل هائل ومذهل لو تم استخدامها بالشكل الصحيح فأصبحنا نتسوق ونقرأ الأخبار ونشارك في المنتديات السياسية والاجتماعية والدعائية.
لقد أصبح الفضاء الإلكتروني متنفساً للبعض من خلال وسائل تواصل مفتوحة تثمر في إظهار مكنون الأشخاص وقد تجد لهم جمهوراً يشبع رغبة التعايش مع الآخر والتواصل مع المجتمع، أصبحنا نستطيع أن نرى بعضنا البعض ونتلمس حالاتنا الشعورية المختلفة أثناء التواصل مع أحبائنا وأقاربنا، كما أصبحت رحلات العمل لا تغيب الأب عن بيته وأصبحت الأم تستطيع أن تراقب المنزل وهي بعيدة عنه بمسافات شاسعة من خلال الإنترنت.
ومن النقاط الإيجابية لشبكات التواصل الاجتماعي أيضاً أنها كسرت الحدود والمسافات وجعلت هناك تعارف بين الثقافات المختلفة من خلال تكوين الصداقات بين شباب من جنسيات مختلفة فتحول العالم إلى قرية صغيرة حيث ذابت الحدود والمسافات وأصبحت كرستينا تحب أبو سن.
ومن أهم ما ساهمت فيه مواقع التواصل الاجتماعي تعرف المسؤولين على المشاكل من خلال المواطن مباشرة، وقد ساهمت في حل العديد من المشاكل، فاليوم لم يعد ممثلاً للشعب أو مسؤول يستطيع أن يتجنب حضوره بين الناس من خلال «تويتر» و»فيسبوك» وغيرهم لكي يتفاعل معهم ويسمع آرائهم، لكي يتواجد بينهم وترقى العلاقة بينهم وتصل للحد الذي يؤتى منه الخير.
ومثلها كسائر مكونات الحياة، بها الصالح والطالح، فقد تؤدي للتغييب عن الواقع لو لم نربطها بحياتنا الطبيعية، وتأخد المأخذ السليم الذي يعود بالنفع دون الضرر، والسؤال هنا كيف نستغلها بالشكل المثمر ونحمي مجتمعنا وبالأخص شبابنا من أضرارها السلبية؟ فالشباب هم عماد كل أمة وسبيل نهضتها، وهم القوة البناءة في سلمها، ووقود دفاعها عن نفسها، وهم الأمل. ولذلك هم الهدف الذي يصوب الأعداء سهام مكرهم للنيل منها. وأسلحتهم في ذلك ووسائلهم متعددة، وأهمها وأخطرها الإنترنت، الذي تطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة، فأصبح القوة المهيمنة على عقول وأفكار الناس عموماً، والشباب على وجه الخصوص.
عندما تسألني عن أكثر ما يقلقك من مواقع التواصل الاجتماعي سأقول لك «المخدرات الإلكترونية». كيف وصلوا للتقنية التي تصل لتدمير العقل البشري ومن وراء هذا الاختراع الفتاك الذي يهدف لهدم جيل المستقبل في دولنا.. هذا الوحش الذي يسافر متخفياً ولا نستطيع أن نراه وكأنه يرتدي «طاقية الإخفاء»، كي يقترب من فلذات أكبادنا ويدمر عقولهم ومستقبلهم، فيجب أن نتعايش مع هذا الواقع مع أولادنا كي لا يستطيع هذا المجرم التسلل من أمام أعيننا ويقتطف أولادنا منا.
ولكن أيقونة المستقبل هم المتفاعلون الأكثر استفادة واندماجاً مع الواقع الجديد، فالشباب خلقوا لهم عالماً جديداً وطوروا التعايش مع هذه المواقع، حتى أجبروا أكبر الشركات أن تسير في خطاهم وتلجأ لمواقعهم للإعلان عن منتجاتهم حتى لا يفقدوا شريحة في السوق لا يستهان بها.
وختاماً، يجب أن ندرك أنه لم يعد لتجاهل هذه المواقع مكان، بل يجب نحن أن نتطور ونواكب التفاعل معها حتى نستطيع أن نكون على المستوى الذي تصل فيه وجهة نظرنا إلى أولادنا ومجتمعنا بالشكل الذي يعود بالنفع على الجميع.