«مطلوب رئيس تنفيذي لقيادة مجموعة مكونة من 500 شركة عالمية، يجب أن تكون لديه رؤية ويتمتع ببصيرة نافذة، وأصيلة، وشجاعة، ويتميز بثقافة مواطن عالمي متوازنة، مدمنو العمل غير مطلوبين لذا يرجى ألا يتقدموا لهذه الوظيفة»، هذا إعلان نشر منذ مدة في العديد من المجلات والجرائد الأمريكية ذائعة الصيت الخاصة بمجال الأعمال.
أعتقد أنه لو باشر أغلب أصحاب الأعمال لدينا مقابلة المتقدمين لشغل مثل هذه الوظيفة لركزوا على أمر واحد فقط، وهو قدرة المتقدم على العمل تحت الضغط ولساعات طويلة دون كلل أو ملل أو.... «سأترك لكم أن تتخيلوا من تكون هذه المخلوقات وهي ليست من البشر». في المؤسسات الغربية واليابانية، أصحاب المال في معظم الأوقات يفصلون بين كونهم أصحاب مال وإداريين، فهم لديهم القدرة على معرفة أين يضعون أموالهم بذكاء، ولكنهم أيضاً يسعون لاختيار أفضل رئيس أو مدير لمؤسساتهم.
يبحثون عمن هو أفضل منهم، ويؤمنون أن الإدارة والقيادة صنعة، قد لا يتقنونها، ولكن بكل تأكيد يمتلكون القدرة على إدارة ثرواتهم، ولا يعتبر أصحاب المال هناك أنهم الأكثر فهماً ودراية وقدرة على إدارة أعمالهم «وليس أموالهم أو ثرواتهم»، كما لدينا، حيث يعتبر صاحب المال هو الأدرى والأقدر على الإطلاق لإدارة مشروعه أو أعماله ولا يوجد أحد أفضل أو أقدر منه على القيام بذلك!
في مجالس الإدارات الناجحة يتم تعيين الرئيس التنفيذي بناءً على عدة قواعد، أهمها أن يعرف مجلس الإدارة ماذا يريد أن يحقق له الرئيس التنفيذي، وذلك يعتمد على فهم وإدراك عميق لأزمة أو مشكلة أو وضع المؤسسة، فمثلاً لو كانت المؤسسة بحاجة لتغيير واسع في هيكلها وإعادة تقسيم العمل وتوزيعه وبناء علاقات جديدة بناء على ذلك بين الأقسام والأفراد فهم حتماً بحاجة إلى رئيس تنفيذي أو مدير عام خبير في قيادة التغيير ويعرف كيف يحدث ويطور داخل المؤسسة، وأن تكون من أهم صفاته القدرة على التعامل مع الأفراد واستيعاب تمرد من سيتضرر من التغيير ومواجهة المقاومة السلبية وإيجاد أنصار للتغيير وحشد وتوجيه الطاقات.
إذا كانت المؤسسة تمر بأزمة مالية خانقه وبدأت تتعثر في تسديد رواتب موظفيها والتزاماتها المالية الأخرى، لن تكون أهم متطلبات الرئيس التنفيذي في المرتبة الأولى القدرة على تقليص النفقات، هذا الأمر يأتي في المرتبة الثانية، وهو ضمن خطة إعادة التوجيه، وليس الخطة نفسها، بل المفترض أن يمتلك رؤية قائد أعمال، مثل الفهم السريع للسوق والصناعة، وإعادة تموقع المؤسسة وإعطاء الأمل لدى الموظفين بمستقبل مؤسستهم وحشد الطاقات وتحفيزهم لبذل العطاء طواعية أضعاف ما هو معتاد في الظروف العادية.
من المؤسف لدينا أن أغلب أصحاب المال لا يمتلكون الجرأة أو ثقافة قيادة المال «وليس الأعمال» أو القدرة على الابتعاد عن إدارة مؤسساتهم مباشرة، فيسعون إلى جلب رئيس تنفيذي يكون خادماً وليس قائد أعمال حقيقياً يواجه ويوجه «بتشديد وكسر الجيم»، وليس يوجه «بتشديد وفتح الجيم» فتتعثر مؤسساتنا أكثر وتنكفئ على ذاتها في مواجهة الأزمات الحقيقية وتعيش بين جزر يخنق الأنفاس أو مد تغرق فيه الأنفس.