ما إن أنهى الأردن استحقاق الانتخابات النيابية، إلا وبدأ الحديث فوراً عن دور البرلمان القادم وعن «مرحلة سياسية جديدة». كثيرون يشبهون البرلمان الأردني، نسخة 2016، ببرلمان عام 1994. وجه الشبه بينهما هو في المهمات المنتظرة وتشكيلة المجلسين. فبرلمان التسعينات مرر اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، المعروفة بـ»معاهدة وادي عربة»، والبرلمان الجديد مطلوب منه أن يمرر مشروع الكونفيدرالية بين الضفتين الشرقية والغربية. أما من حيث التشكيل الحالي، فمطلوب إظهار «التعددية» و»تقوية اللعبة الديمقراطية»، بحضور ممثلين من مختلف التيارات، اليسارية، والقومية، والحراك الشعبي، وخاصة التيار الإسلامي، الذي عاد إلى اللعبة بعد أن قاطع الانتخابات النيابية لموسمين.
يكتمل المشهد السياسي اليوم ببرلمان يشبه برلمان الأمس، وحكومة أيضاً تشبه حكومة الأمس، استعداداً لما هو قادم. فوزارة هاني الملقي الحالية تشبه إلى حد ما وزارة الدكتور عبدالسلام المجالي آنذاك، وهو الذي فاوض إسرائيل، قبل تولي رئاسة الوزراء. حتى إن الدكتور جواد العناني، أبرز أعضاء حكومة الملقي، شارك أيضاً في حكومة المجالي، قبل 22 عاماً، وكان نائباً للرئيس، كما هو اليوم.
ما قيل، خلال الحملة الانتخابية، ويقال الآن بعدها، هو أن المنطقة مقبلة على جملة تطورات سياسية يجري الإعداد لإخراجها إلى حيز التنفيذ في المرحلة القادمة. ومن بينها إعادة طرح المشروع الجديد القديم الممثل بفكرة الكونفيدرالية بين الضفتين الشرقية والغربية. وسيكون تمرير مشروع إعادة توحيده الضفتين من مهمات مجلس النواب الجديد، كما يتوقع كثيرون.
ما يعزز هذه التوقعات ما أعلنه القادة في كلماتهم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. حيث دعا محمود عباس، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، إلى أن يكون عام 2017 «عام إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية». فكيف سيتم إنهاء احتلال، في عام واحد، استعصى إنهاؤه على العالم خلال خمسين عاماً مضت؟ يبدو أن أبومازن لا يتحدث من فراغ، فربما هناك ترتيبات دولية قادمة ستنهي الاحتلال فعلاً بالكونفيدرالية.
وبينما عباس يتوقع أن يكون العام القادم عام إنهاء الاحتلال، نجد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لم يخصص في كلمته، أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، للقضية الفلسطينية إلا جملة واحدة فقط، جاءت في صلب الموضوع. فقد دعا إلى قيام دولة فلسطينية، قائلاً: «ليس هناك من ظلم بمرارة كبيرة أكثر من حرمان الفلسطينيين من حقهم في الدولة». عاهل الأردن ركز على النقطة الأساسية التي يستند إليها مشروع إعادة توحيد الضفتين، ألا وهي قيام دولة فلسطين. وقيام الدولة هو متطلب أساسي للكونفيدرالية بين الجانبين، الفلسطيني والأردني. بينما فلسطين الآن هي سلطة تحت الاحتلال.
ومن هنا جاء ترحيب الأردن، عام 2012، بقرار منح فلسطين صفة «دولة غير عضو» في الأمم المتحدة، واستقبل عباس في عمان كرئيس دولة، إذ إن تطوراً كهذا يمهد مستقبلاً لمنح فلسطين عضوية كاملة، الأمر الذي سيفتح الطريق أمام دخول الفلسطينيين من جديد في اتحاد مع الأردن، بعد قيام دولتهم. فالكونفيدرالية تقوم عادة بين دولتين، وهو شرط غير متوفر حالياً.
من هنا يبدو أن الأردن يحرص على استكمال كافة الشروط لتكون الوحدة، إن تمت، سليمة هذه المرة من ناحية قانونية، وذلك في ضوء تجربة الوحدة السابقة. فبعد المؤتمر الشعبي الذي جرى في مدينة أريحا، عام 1949، وطالب بوحدة الضفتين، قامت هذه الوحدة في العام التالي، وجرت انتخابات برلمانية، وحمل مواطنو الضفة الغربية الجنسية الأردنية. لكن المشكلة أن الدول العربية لم تعترف رسمياً بهذه الوحدة، ونظرت إليها على أنها احتلال. ولم تعترف بها من دول العالم سوى بريطانيا وباكستان.
لذلك يبدو أن عمان حريصة على تهيئة الأجواء لسيناريو الكونفيدرالية، من النواحي السياسية والشعبية والقانونية، الأمر الذي عكسه الخطاب الملكي من ضرورة قيام دولة فلسطين، كمتطلب قانوني للوحدة. كما شهدت الفترة الماضية تحركات غير رسمية في اتجاه التهيئة. من بينها الزيارة التي قام بها الدكتور عبدالسلام المجالي إلى الضفة الغربية، في شهر مايو الماضي، وتحديداً إلى مدينة نابلس، حيث التقى بعشرات الشخصيات ودعا إلى قيام كونفيدرالية أردنية فلسطينية وقال إن «فيها خيراً للطرفين».
وإضافة إلى جهود المجالي، جرى تبادل الزيارات بين المسؤولين، في الجانبين الأردني والفلسطيني. وزار الضفة الغربية أيضاً وفد برلماني أردني من المجلس السابق، وسعى أحد النواب، من أصل فلسطيني، لتشكيل وفد شعبي عشائري يأتي إلى عمان ليطلب من الملك إحياء مشروع الكونفيدرالية.
وبجانب الموضوع الفلسطيني، الذي ربما يطغى على أعمال مجلس النواب الأردني الجديد، تقول التوقعات إن المجلس سيكون مشغولاً أيضاً في الموضوع السوري، وما يطرح من سيناريوهات حول كيفية معالجة مشكلة اللاجئين السوريين في الأردن، الذين تقارب أعدادهم مليوناً ونصف المليون، حيث يجري الحديث عن احتمالات توطينهم.
إذن، مواضيع شائكة ومهمة تنتظر البرلمان الأردني القادم، من وحدة الضفتين، إلى توطين السوريين، إلى معالجة الشأن الاقتصادي عن طريق خفض الضرائب، فيستحق بذلك لقب «برلمان المهمات الخاصة». برلمان ربما لن يعمر أكثر من عامين، إذ سيتم حله فور إنجاز الكونفيدرالية لإجراء انتخابات مشتركة بين الضفتين.
يبقى السؤال: كيف سيتصرف النواب حيال فكرة الكونفيدرالية؟ فمنهم من رفع خلال حملاتهم الانتخابية شعارات طموحة. فأحدهم قال «لا بديل عن فلسطين إلا الجنة»، وآخر قال «البوصلة التي لا تشير إلى القدس بوصلة مشبوهة»، وآخر وعد بتحرير فلسطين! فهل شعاراتهم ووعودهم باستعادة فلسطين، جاءت متماشية مع مشروع الكونفيدرالية؟ أم أنهم كانوا يقصدون شيئاً آخر؟ وخلاصة القول: أين فلسطين، أرضاً، وشعباً، وقدساً، وتاريخاً، من كل هذا؟
* إعلامي أردني