غداً يبدأ العام الهجري الجديد، وغداً يبدأ أيضاً مشوار القلق الذي يستمر نحو أسبوعين، بسبب مراسم العزاء التي تقام سنوياً في البحرين بمناسبة ذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، ولكن في جو ممتلئ بالتوتر، بسبب تطور الأحداث في الداخل، وفي المنطقة، وتداخل الشعارات التي يرفعها البعض، والتي من شأنها أن تحيل المناسبة الدينية إلى مناسبة سياسية، فلا يظفر المعزون الذين ينتظرونها على أحر من الجمر بالأجواء الروحانية التي يأملونها، وتتأثر فرصتهم للتعبير عن التزامهم السنوي، وقد يكونون معرضين للخطر لو استمر ذلك البعض في عدم تمكنه من قراءة الساحة قراءة صحيحة، وبالغ في سلوكه وسعى إلى استغلال المناسبة لتحقيق ما يعتقد أنها مكاسب.
تجربة السنوات الخمسة الماضية أكدت أن ذلك البعض دون القدرة على القراءة الصحيحة وتقدير الموقف والظروف، وبما أن عاشوراء هذا العام يأتي في أعقاب تطورات ساخنة شهدتها الساحة المحلية مؤخراً وتشهدها الساحة الإقليمية، يضاف إليها ما صار يعانيه المسلمون من انحياز أعمى للمذاهب، أدى إلى أن يقودهم ويتحكم في سلوكياتهم، لذا فإن المتوقع أن يستمر ذلك البعض في تطرفه وفي سلوكه السالب ومحاولاته استغلال مناسبة عاشوراء لصالح أهدافه ومرامي من يقف وراءه ويدفعه إلى هكذا أفعال. من هنا فإن على من يعتلون المنبر الحسيني أن يدركوا كل هذا وينأون به عن كل ما قد يفسد المناسبة فيركزون على موضوعها ويبتعدون عن ربط مأساة الحسين بما يجري في عالمنا المعاصر، ويهتمون بدلاً عن ذلك باستيعاب الدروس من حركة سيد الشهداء الذي لم يخرج أشراً ولا بطراً ولكن لنصرة المبادئ التي جاء بها جده المصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورضي عن صحابته، وليرسم طريق الحياة المثلى.
بمراجعة الكتب المعتبرة التي تناولت ملحمة الشهيد، قديمها وحديثها، يتبين أن مؤلفيها اهتموا كثيراً بمسألة أهمية إبعادها عن التحريف وركزوا على مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأثره في حياة الناس، وكذلك «الإطار العام لواقعة كربلاء، وعن الجذور التاريخية لها، وقيمة الشهيد والشهادة في إطار المنطق السليم والأهداف المقدسة، وحس السمو، وتوفر الإدراك، وشجاعة الروح والجنان، وتوازن العقل والعمل، وتناغم الخلق وكيفية الأداء، وغيرها من أمور تميزت بها هذه الواقعة وسمت»، كما جاء في واحد منها والتي اهتم مؤلفها بمناقشة فلسفة النهضة الحسينية وماهيتها.
إن شعار «هيهات منا الذلة» المستل من عبارة منسوبة للإمام الحسين عليه السلام شعار إنساني راق، تمكن به قائله من رسم خط واضح بين الكرامة والذلة ودعا إلى الانحياز للكرامة ورفض الذلة. والأكيد أنه لا أحد يقبل بالذلة ولا يبالي بعواقب الانتصار للكرامة، فكيف بالعربي والمسلم؟ لكن تجيير الشعار وتوظيفه لخدمة أهداف سياسية هو ما ينبغي الانتباه له وعدم القبول به لأنه باختصار يمكن بواسطته حرف مناسبة ذكرى عاشوراء وتوظيفها لخدمة أهداف ضيقة. هذا ما ينبغي أن ينتبه له معتلو المنبر الحسيني والمسؤولون عن المآتم والمواكب الحسينية فيفرقوا بين من يقول تلك العبارة الرائعة بالكيفية التي عبر بها صاحبها عليه السلام وبين من يريد توظيفها لصالحه وحرفها عبر مقارنة هزيلة وظالمة لحالتين مختلفتين لكل منهما ظروفه الخاصة ومعطياته، وزمنين مختلفين الفاصل بينهما قرون كثيرة.
لا أحد يقبل إن صار في موقف يستوجب الاختيار بين السلة والذلة أن يختار الذلة، فيقول بوضوح وجرأة «هيهات منا الذلة»، ولكن أيضاً لا أحد من محبي قائل هذه العبارة ومؤكد هذا الطريق يقبل بأن يتم تسخيرها لتحقيق مآرب دنيوية ضيقة ورفعها شعارا لنشر الفوضى في البلاد.