إن الاهتمام بالعنصر البشري والاستثمار التنموي يعد من أساسيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تنهض بها المجتمعات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقطاع الحرفي الذي بدوره يعمل على حماية المجتمع من آفة البطالة، مما يحقق لأفراده النهوض بموارده المالية، والرقي بأوضاعه المهنية والمعيشية والاقتصادية والوصول به للاكتفاء الذاتي والمشاركة في الإنتاج الحرفي، ومنافسة الجودة الإنتاجية المستوردة. إن المشاكل المجتمعية والظروف الاقتصادية المحبطة تجعل الحياة أكثر تعقيداً مع أن الحلول تكاد تبدو ظاهرة للعيان ولكن من يرى؟
إن ظاهرة ازدراء المهن اليدوية في مجتمعنا الخليجي متفشية في نفوسنا، واستعلاء المواطنين عن العمل بهذه المهن لا يقابل بحاجة المجتمع، ولا يجوز ازدراء العمل اليدوي خاصة أن كل الأنبياء والرسل عملوا أعمالاً يدوية، فكان النبي آدم عليه السلام «مزارعاً»، والنبي نوح عليه السلام «نجاراً»، والنبي إدريس عليه السلام «خياطاً»، وكان الأنبياء إسحاق ويعقوب وشعيب وموسى عليهم السلام «رعاة». وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم «راعي غنم ثم تاجراً».
إن نسبة البحرنة في المهن اليدوية متدنية جداً مما يضطر رب العمل لاستقطاب عمال مهرة من خارج الوطن يستنزفون مقدراته وينعكس ذلك على من يزدري هذا العمل بالسلب.
وفي أقصى الطرف الآخر يوجد بحرينيون يعملون في تلك المهن مما يتوجب علينا أن نرفع لهم القبعة حيث يعتبرون من الرواد في حلحلة الوضع الراهن كالأسر المنتجة، أو من يقوم ببعض الأعمال الحرة مثل النجار، و»الطباخ»، وصانع الخزف وغيرهم من أصحاب الحرف اليدوية. ونجدهم يعملون في هذه الحرف بكل اعتزاز وفخر ويتقبلهم المجتمع بل ويشيد بهم، والمفارقة أن عملهم هذا في غالبية الأحيان أغناهم عن العوز.
تلك مفارقة يجب أن نلتفت لها، إن الحرف اليدوية تعتبر أحد الحلول لازدهار البحرنة وتنويع مصادر دخل الأسرة، وقد تتميز في هذا المجال، أما آن الأوان أن نفك رمز تلك المفارقة؟ بل أصبح فك هذا الرمز ضرورة ملحة في ظل تقلص فرص العمل، تلك المشكلة التي ألقت بها أمواج الأزمة المالية على شواطئنا، وأرى أن المشكلة لا تكمن فقط في نظرة المجتمع لتلك المهن، ولا أرى أيضاً أن المشكلة تكمن في عقلية شبابنا الذي يرفض العمل في المهن اليدوية ويتعالى عليها، ولكن تكمن المشكلة بطريقة طرح تلك الوظائف أو المهن لتكون مقبولة من قبل شبابنا، فلا بد من إعادة النظر في هيكلة وطريقة طرح تلك المهنة، وأقصد بذلك صناعة «برستيج» لتلك المهن كي لا يزدريها المجتمع، فيجب خلق وعي مجتمعي يسمو بهذه المهن، ويكسبها هوية جديدة تزيد في امتيازاتها.
فيجب تغيير النمط الثقافي لكي نرقى بها لتكون محل قبول المجتمع. فعلينا أن نعمل بمستوى قيمي لنغير من ثقافة مجتمعنا في هذا المجال، كما آن الأوان لتأسيس مشروع استنهاضي وطني تتضافر فيه الجهود للوصول بمشروع النهضة البحرينية لغاية تضع لبناته الحكومة، ممثلة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فتركز على تدريب أرباب العمل للارتقاء بالمهنة وتطلعهم على التجارب والممارسات العالمية في هذا المجال، وتسهم في بنائه الجهات ذات العلاقة سواء «بنك التنمية» أو «تمكين»، بل حتى المنظمات الأهلية الاجتماعية التي تهتم بالتعاطي مع المتغيرات الثقافية بالمجتمع، ووضع خطة إعلامية لخلق وعي لدى المواطن ليستطيع تقبل المهن اليدوية وإكساب العاملين في هذه المهن تقدير المجتمع.
ويكون هذا التغيير وفق خطط مرحلية، كل هذا من شأنه أن يسهم في مزيد من فرص العمل للعاطلين. فالفرص متاحة وبين أيدينا ولكن اقتناصها هو التحدي.