كل البشر يتفقون على أمر واحد يتعلق ببناء المستقبل والإنسان والوطن، وهو العمل الجاد الذي يثمر حضارة وعطاءً وعلماً، فالعمل من الإيمان وهو ركيزة الدول المتقدمة والشريان الحيوي لكل الشعوب التي تناضل من أجل التحضر والبقاء في المقدمة. لكن يبدو أن هذه القوانين البشرية والسنن الكونية غير سارية المفعول عندنا نحن العرب، إذ تفضح سلوكياتنا وممارساتنا كل الشعارات التي نتغنى بها في كل محافلنا الدينية والوطنية، لنكتشف على حين غرة أننا نكره العمل ونعشق الكسل. لا نحتاج للكثير من الجهد لمتابعة حبنا للدعة والراحة والهروب من العمل، فهناك عشرات الأمثلة يمكن أن نستشهد بها في هذا المجال، لكن ما يمكن الوقوف عليه هنا، هو ما سوف نتناوله كأحد أبرز الأمثلة التي تكشف زيف وعينا تجاه العمل وكذبنا وتورطنا حين نقع في دوامة التناقضات بين القول والفعل ألا وهي مسألة «الإجازات الطبية» الخاصة بالموظفين والطلبة.
كلنا يعرف في البحرين وفي كثير من الدول العربية أن الكثير من الموظفين والعاملين في شتى المجالات يتحيَّنون الفرصة للهروب من العمل عبر استصدارهم تراخيص صحية أو ما نسميها اليوم في مملكة البحرين بالإجازات المرضية والتي تكشف زوراً وبهتناً أنهم غير لائقين صحياً للعمل. هذا الأمر المنافي للأخلاق يؤدي إلى تغيبهم أيام كثيرة في العام الواحد، مما يساهم هذا السلوك الرجعي بتأخر إنجازات المواطنين والمقيمين وكذلك يؤدي هذا النمط من السلوك المتخلف إلى تراجع مستوى الأداء الوظيفي في مؤسسات الدولة وحتى داخل المؤسسات الخاصة، وفي المحصلة سنجد أن هذا الغياب غير المبرر أو فلنسميه «بالمزوَّر» يعطل حركة الدولة في مسيرتها وفي تقدمها كما يعرقل مصالح العباد والبلاد.
إن تهافت العاملين والموظفين على المراكز والمستشفيات الصحية من أجل استصدار إجازات طبية غير حقيقية أو عبر تصنعهم المرض وما شاكل يعتبر أمراً غير أخلاقي على الإطلاق، وهو منافٍ للدين والقيم الإنسانية والقانون ولكل عرف إنساني محترم. فالهاربون من وظائفهم وأعمالهم يضغطون بقوة على زملائهم لتحمل مسؤولياتهم إضافة لعملهم. فحين يغيب الموظف أو العامل اللائق بدنياً لدواعٍ مرضية كاذبة، فإنه يؤجل منجزات وإنجازات الوطن والمواطنين إلى أجل غير مسمى، وهو بذلك يرمي بعمله على عاتق زملائه في العمل، ولربما يُكافؤ هذا الموظف نهاية العام الوظيفي بترقية أو بتكريم، ففي حال تفشي الفساد الإداري سيكون كل شيء سيء محتملاً!
يجب على الجهات المختصة أن تعيد النظر في قضايا الإجازات المرضية الكاذبة وفي طريقة استصدار الرخص الطبية بشكل مغاير، وأن تضع آليات صارمة بخصوص هذا الموضوع الذي بات أمراً متداولاً بين موظفي الدولة وبين الطلبة وفي كل موقع من مواقع العلم والعمل، فنحن إمَّا أن نستقيم كما تستقيم شعوب ودول العالم المتحضر في مجال العمل وتقديسه أو أن نظل في الظل مدى الحياة، فالخيار في يد الدولة أولاً وفي يد الموظف والعامل والطالب من أبناء هذه الأرض التي بناها الأوائل بسواعدهم وعرقهم وتضحياتهم بعيداً عن الكسل وحب الدِّعة والراحة ثانياً، فاستيقظوا أيها الغافلون، فدينكم حرم الكذب وحرم اللقمة الحرام يا أبناء الحلال.