يطل علينا الكثيرون بلقب «قائد» أو يطلقون هم على أنفسهم هذا اللقب، وهم أبعد ما يكونون عنه، بل ويحولون اللقب للتباهي، وهول ليس دوراً مهماً للنهوض بمواقعهم ومسؤولياتهم.. فما هي القيادة؟
القيادة تتمحور حول التأثير في الآخرين، دون استخدام المدير لصلاحياته، من خلال عمليتين متداخلتين، الأولى، بناء فهم وتوافق حول ما يجب القيام به، وكيفية القيام بذلك، وهي تنطلق من فهم عميق لسيكولوجية الأفراد والجماعة، والثانية، تيسير وتفعيل وتوجيه الجهود الفردية والجماعية لتحقيق الأهداف المشتركة أو ما تم التفاهم والتوافق عليه، وهي تنطلق من إدراك واعٍ للقدرات والإمكانيات الظاهره والكامنه للأفراد والجماعات.
في دورة نفذتها مؤخراً حول «قوة القيادة»، قدم لنا أحد المشاركين وهو من القادة الإداريين في الإدارة المتوسطه في شركة الكهرباء السعودية الأستاذ محمد الدريس رئيس اشتراكات العملاء في الشرقية، نموذجاً رائعاً للقياده، حيث تحدث عن مدير مدرسة ثانوية ابن باز في الخرج شمال الرياض، الأستاذ عبدالله عبد العزيز الدكان، التي عمل فيها في بداية حياته المهنية كمدرس تقنية معلومات، وعن أسلوبه في إدارة مدرسة تتكون من أكثر من 30 معلماً وقرابة الـ 350 طالباً. وسأعرض لكم هنا كيف تغلب بذكاء قيادي نادر على بعض المشاكل التي واجهها بحنكة وذكاء كما ذكرها الأستاذ محمد الدريس، ومنها:
* اليوم الذهبي: للقضاء على التسرب، أدرك الدكان حاجة المعلمين والموظفين الإداريين لمتابعة بعض الالتزامات والأعمال الخاصة أثناء الدوام الرسمي، والتي لا مفر من قيامهم بها بأنفسهم، وهي سبب رئيس لتسرب المعلمين والإداريين فوضع جداولهم بحيث تكون لكل معلم و موظف إداري بضع ساعات في يوم واحد فقط في الأسبوع للقيام بهذه الأعمال شريطة ألا يضطر للخروج او التغيب خلال بقية أيام الأسبوع الأخرى، وأطلق على ذلك اليوم أسم «اليوم الذهبي».
* تفعيل دمج المعلمين مع الطلاب: في طابور الصباح يتقدم مربون لفصلين بتصريح عن ماذا سيقدم فصل كل مربي في دوري كرة القدم؟ وماذا سيحرز من نتائج في مبارة بينهما في الفسحة المدرسية؟ دفع هذا الأمر مربي الفصول إلى الاهتمام أكثر بفصولهم وإلى تحجيم تجمعات الطلاب المتفرقة ومشاغباتهم خلالها وخلق روح تنافسية جماعية بينما هذه الفعالية تنفذ في العديد من المدارس ولكن طرحها بطريقة مختلفة.
* الأبواب والمسؤولية: دعا الطلاب إلى عدم القفز من فوق سور المدرسة والهروب منها، وأنه بكل بساطة على من يرغب في مغادرة المدرسة تسجيل اسمه لدى المسؤول والخروج من باب المدرسه الرئيس، على أن تقوم المدرسة بإبلاغ ولي أمر الطالب بذلك، وبذلك قضى على ميل الطلاب للهروب بدافع التمرد ورفض سلطة المدرسة، ومن جهة أخرى، أدخل ولي الأمر شريكاً في متابعة ابنه ونما لدى قطاع واسع من الطلاب الإحساس بالمسؤولية والاحترام.
* التكريم العامودي: تكريم جميع العاملين في المدرسه حتى عامل النظافة أمام مدير التعليم.
* خلق الإمتاع: لم يستنكر الأستاذ عبدالله الاهتمامات الخاصة لجيل الطلاب فأحضر لهم ألعاباً مثل الـ «بلاي أستيشن» و»الهوكي»، لاستخدامها أثناء الفسحة وأوقات الفراغ ونظم دورياً تنافسياً فيها.
هناك الكثير من التطبيقات التي مارسها الأستاذ عبدالله الدكان لا يسع المقال لذكرها، وبذلك يتبين أن النمط القيادي للأستاذ عبدالله الدكان اشتمل على ثلاث أنماط وهي، القائد الداعم Supportive Leadership، والقيادة المصاحبة Coaching leadership، والقيادة التشاركية Participative Leadership، وقد نفذها ببراعة. الأستاذ عبدالله الدكان انتقل فيما بعد ليصبح رئيس الإشراف المدرسي، ثم الآن مدير الإشراف التربوي في حوطة بني تميم، وأحد مهامه هي تدريب مدراء المدارس ليصبحوا قادة تربويين. قد لا يصل هذا المقال إلى القائد التربوي عبدالله عبدالعزيز الدكان، ولكنه يستحق أن نقف له تقديراً واحتراماً فقد ضرب مثالاً حقيقياً للقائد الحقيقي الذي يقدم ويمتلك زمام المبادرة والجرأة على اتخاذ القرار الصائب وليس الصحيح فقط، وروحاً مغامرة وثقة عالية دون أن يتوقع جزاء.
إذا أردت أن تعرف القائد الحقيقي أسأل عنه من كانوا تحت إمرته بعد أن يصبحوا خارج سلطته.
* استشاري ومطور أعمال وقدرات بشرية