منذ دخول البحرين إلى حظيرة الإسلام وظهور الوقف فيها، وتحكمه مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، وكانت الأوقاف تدار من أصحابها أو النظار المعينين عليها من قبل الواقف نفسه، وبإشراف من القضاة الشرعيين، ولما استشعر حاكم البلاد المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، رحمه الله، أن الأوقاف معرضة للضياع والتبديد فبادر باتخاذ تدابير احترازية الغرض منها حصر وتسجيل الأوقاف القائمة آنذاك، فأصدر الإعلان رقم 17/69/1346، فى 27 محرم سنة 1346 – 1927 جاء فيه «نعلن للعموم من جماعة أهل السنة والشيعة في البحرين – أنه من سبب سوء التدبير في الأوقاف قد تعينت إدارة شرعية لأجل تسجيل الأوقاف وتدبيرها أحسن تدبير والإدارة المذكورة تشتمل وتنحصر في خصوص المحكمتين الشرعيتين السنية والشيعية – فلهذا نخبر جميع متولي الأوقاف بأن يحضروا للإدارة المذكورة ويخبروها بجميع ما في أيديهم من نخيل أو عقار حتى يرسم في دفاترها المخصوصة لذلك بموجب أوراق الوقفية التى يقدمونها إلى قضاة المحكمتين الشرعيتين موضع حضور الكُتاب – لأجل أن يجريها القضاة على حسب القانون الشرعي لا غير. وكل من يتأخر عن تقديم الاطلاعات المذكورة في مدة شهر إلى سلخ شهر صفر سنة 1346 من هذه السنة من غير عذر ولا سفر أو يخفي شيئاً من الوقف أو يعطي اطلاعات غير صحيحة مع علمه بذلك سيجازى لدى المحكمة ليكون معلوماً».
وكان لهذا الإعلان أثر بالغ الأهمية فى الحفاظ قدر الإمكان على أعيان الوقف وتحديد معالمه فى ذاك الوقت، وظل العمل بموجب هذا الإعلان حتى صدور المرسوم رقم «6» لسنة 1985 بشأن تنظيم مجلسي الأوقاف السنية والجعفرية وإدارتيهما. وصدر على إثره القرار رقم «11» لسنة 1991 بشأن اللائحة الداخلية لمجلسي الأوقاف السنية والجعفرية، وعدل المرسوم بقانون رقم «6» لسنة 1985 بمرسومين لاحقين، الأول برقم «45» لسنة 2001 والثاني رقم «48» لسنة 2007.
وكانت تلك القرارات واللائحة الداخلية تعنى بتنظيم عمل الجهة القائمة على إدارة الوقف ولم تعنَ بالوقف نفسه تاركة الأمر لقضاة الشرع يقضون في شأن الأوقاف بما جاء في أحكام الشريعة الإسلامية.
وتعتمد إدارتا الأوقاف في المملكة في تسيير عمل كل منهما واتخاذ قراراتها على ما يقرره مجلس إدارتها وتعد هذه القرارات بمثابة لوائح وتعاميم داخلية لها الطابع الآمر، والمنظم لعمل كل إدارة.
ومع التطور الذي شهدته مملكة البحرين في الحركة التشريعية والنقلة النوعية التي خطت تجاهها المملكة نحو الحداثة والتطور في جميع المجالات وعلى رأسها المجال التشريعي كان أهمها وأبرزها على الإطلاق الميثاق الوطني تلاه دستور سنة 2001، الأمر الذي تبعه الكثير من التشريعات الحديثة كان من ضمنها القانون المدني الذي أفرد عدة نصوص تخص الوقف وإيجاره لكنها لا تلبي أبداً احتياجات هذا الباب الواسع والهام – أعني الوقف – من أبواب العمل الاجتماعي في المملكة ولذا ظهرت دعوات عدة لضرورة العكوف على سن قانون خاص بالأوقاف ينظم العمل فيه، وحتى هذا الوقت لم يظهر للعلن أي قانون جامع يعالج الفراغ التشريعي الذي يعانيه الوقف.
ومن الجدير بالذكر أن عملية تقنين الأحكام الفقهية في أبواب ونصوص قانونية لمن المسائل التي تلقى رفضاً عند بعض المهتمين بالشأن الفقهي، ولذا فمن المفيد أن نعرج على بعض النقاط الهامة التي تؤسس لحتمية هذا العمل وهذا ما سنتناوله في مقالنا المقبل بإذن الله.
* مستشار قانوني بإدارة الأوقاف السنية