عام هجري جديد قادم إلينا، لا أود تعكير صفو القارئ، لكني أؤمن بمبدأ التذكرة الحسنة، لذا سأبدأ كلماتي بإبداء أمنياتي أن يكون عامنا الجديد عام نصرة وعزة للمسلمين وبوابة خير للامة العربية والإسلامية.
عندما نتأمل حال المسلمين اليوم في الدول العربية والخليجية نجد أننا قاب قوسين أو أدنى من المصائب والمحن والبلاء الذي يحمل في كثيره رسائل من الله وإشارات لمن أراد العبرة والموعظة والتأمل في محطات الدنيا، ورحلة هذه الحياة غير الأبدية، بداخل المحن منح لمن يفهم ويتدبر وينظر للأمور من جميع الزوايا.
ونحن نستقبل العام الهجري الجديد علينا أن نراجع ضمائرنا قبل كل شيء، أعمالنا ونياتنا والأهداف التي نسير عليها في هذه الحياة، بحيث تكون لدار الآخرة محطتنا الخالدة قبل الدنيا، كل عام يمضي من حياتنا يأخذ من سنين عمرنا سنة ليقربنا إلى مثوانا الأخير لمن يتدبر. كثير من الابتلاءات في حياتنا تأتي بسبب سيل الذنوب وكعقوبة من الله. لننظر في حال الدول من حولنا، دول كان أهلها من زود الخيرات وكثير النعم يرقصون على موائد الطعام واليوم يموتون جوعاً ومحاصرون من أعداء الإسلام، قليل منهم من يدرك أن هذا الحصار هو بالأصل حصار من الله وعقاب لهم على ما اقترفوه من معاصي.
العراق أين اليوم؟ برك من الدماء.. سوريا؟ فوضى دموية حتى بات المرء لا يأمن على نفسه وهو داخل منزله.. لبنان؟ صراعات طائفية وأزمات، مصر؟ محاولات لزعزعة أمنها واستقرارها وإضعاف جيشها الحر، اليمن؟ «بنك العرب وأصلهم» ومتحفهم التاريخي.. حروب ومحاولات لردع أعداء العروبة من نيلها!
تونس؟ محاولات لتغيير نهجها الديني. ليبيا؟ حتى الأردن؟ تدخل في قائمة الدول العربية المستهدفة بالإرهاب، لم تسلم حتى دول الخليج العربي كالكويت التي عانت من تفجيرات تنظيم الدولة «داعش» سابقاً، وتستقبل اليوم تهديدات أنها ستكون المحطة التالية من بعد العراق، كما لنا في الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية خير مثال، ففي جنوبها حروب مع أعداء الإسلام والعرب، وفي شمالها تهديدات من قبل ميليشيات طائفية و«داعش»، وفي شرقها محاولة زعزعة أمن واستقرار البحرين على أمل الولوج إليها، بل حتى أراضيها لم تسلم من العمليات الإرهابية المتكررة، سواء من عملاء إيران أو من «الدواعش» وإرهابهم!
حتى وطننا الغالي البحرين، عندما نتأمل حاله نستحضر الجملة التي قيلت مراراً وتكراراً، كتحذير من عقاب الله القادم لنا قبل أزمة 2011، وأمام الكثير من المظاهر والمشاهد البعيدة عن تعاليم ديننا.
والبلاء قد يأتي على هيئة بشر مؤذيين وجماعات إرهابية لا تعرف الحق وعدو يجور ويغزو وكوارث طبيعية كالزلازل والعواصف والفيضانات والسيول الجارفة، تأخذهم كمثل ما حصل لأقوام تمادوا في عصيانهم لله، وكفرعون جبار مصر، الذي ابتلعه البحر هو وجنوده وأهلكهم. هناك قاعدة دنيوية على المرء التمعن فيها وهو يطالع ما أصاب أمة المسلمين من ابتلاءات عظيمة أنه «لكل شيء آفه!»، «وما يكسر الله جناح إلا فيه صلاح». تمادى كثير من المسلمين في جورهم وعصيانهم حتى أضحت المساجد خالية منهم، وحتى باتت الكثير من مظاهر الفجور والفسق منتشرة وطاغية، فأغرقهم الله بابتلاءات عظيمة ومصائب كبيرة، حتى يفروا إلى بيوت الله، ليدعونه بالرحمة والنصر على أعدائهم، لم يدركوا أن عليهم أن يفروا إلى الله من ذنوبهم، وأن يعودوا إليه سبحانه، وأن يعاهدوه بصدق التوبة عند طلب المغفرة منه، وعدم العودة للذنب وذلك مفتاح الاستقرار والنجاة.
اليوم المسلمون في غفلة، ورغم كل ما جرى وسيجرى، لا نزال نرى شباب المسلمين مشغولين بأمور الدنيا الفانية، حتى غدا كثير من الشباب ونحن نتابع «سوالفهم في الإنستغرام والسناب شات» لا هم له إلا حضور الحفلات والرقص والعري والزنا واللبس العاري والبذخ والتبذير والاستعراض بحرق الأموال وإحراق الحيوانات وغيرها من مظاهر سلوكية خطيرة تفتك باستقرار دولنا، كثير من شبابنا أصبحنا لا نعلم نوعية جنسه هل هو رجل أو امرأة؟ كثير من شبابنا مشغول بملاحقة الفنانين والرياضيين والممثلين، وهجروا المساجد والقرآن الكريم، تبدلت أخلاق مجتمعاتنا فأضحت سلوكيات الكذب والسرقة والزنا والفساد المالي والأخلاقي والديني والظلم وقطع الأرحام وأكل أموال الأيتام وقطع الرزق، طاغية، قليل من يعي اليوم أنه لا مفر من التحصن من الابتلاءات القادمة، والواضح أنها ستكون أشد أمام الأزمات الاقتصادية ومسلسلات التقشف، إلا بالعودة إلى الله وأن حال المسلمين في كل أرض من دولنا الخليجية والعربية لن ينصلح إلا بإيجاد معاهدة دينية ومجتمعية بيننا وبين الله سبحانه، بأن نعود لإقامة شرائعه والاحتكام لمبادئ كتابه، القرآن الكريم وسنة رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام، في أمور حياتنا قبل الجري وراء معاهدات واتفاقيات الغرب. دولنا بحاجة إلى تحصين لأمنها واستقرارها من خلال إقامة فرائض الله وإصلاح الشباب وإطلاق مبادرات العودة إلى الله لبناء أوطاننا وحفظها بالإسلام الصحيح لا المضلل!
يقول سبحانه «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير»، ويقول أيضاً «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وكل عام هجري ونحن إلى الله أقرب.