الذين يحيطون بالجنرال ميشال عون، من دائرة أصدقائه المقربين، ينقلون عنه اقتناعه الصريح بأن دستور الطائف قد سقط، وبأن لبنان يحتاج فعلاً إلى دستور جديد. والجنرال، الذي يكرر هذا الموقف، في أكثر من مناسبة، يوصي بعدم نشر كلامه، لأنه لا يريد أن يقطع حواره مع السنة، في الداخل والخارج، ولا يريد أن يكشف صراحة أنه متفاهم مع حليفه «حزب الله» في هذه المسألة بالذات. وفي استطراد معهود لديه يقول عون: «أنا لا أراهن على سنة لبنان «لأنهم استعلائيون» يتعاملون معي ومع المسيحيين تعاملهم مع أهل الذمة، في حين أن الشيعة، حتى في ظل «ولاية الفقيه»، أكثر ميثاقية وأكثر احتراماً للمسيحيين».
هذا الكلام يبرر إلى حد بعيد، لماذا يتوجس فريق واسع من اللبنانيين، وأهل السنة بصورة خاصة، من وصول عون إلى قصر بعبدا. فالمسألة تتجاوز مسألة إقرار قانون انتخابات يعتبره زعيم «التغيير والاصلاح» أحد منطلقات مشروعه الرئاسي، كما يتجاوز «المشروع الإصلاحي» الذي يكرر الحديث عنه.. المسألة تتصل بجوهر الميثاق الوطني بالذات، وانتماء لبنان العربي وما يتوجب على هذا الانتماء من حرص على الثوابت، وحرص على هوية لبنان التاريخية في مواجهة طموحات الإمبراطورية الإيرانية، وتطلعات «الولي الفقيه».
قبل أيام كنت في زيارة أحد أقربائي العائد من الحج، عندما فوجئت بالرئيس نجيب ميقاتي يقرع الباب ويدخل. استقبله أهل الدار بحفاوة غير عادية، ودار حديث عفوي، كما في مثل هذه المناسبات، عن الحج والمملكة وهموم الداخل اللبناني، شاركت فيه مع من شاركوا حول صدر من التمر وإبريق قهوة عربية.
ومن دون أن أنقل «أسرار الجلسة» أستطيع التأكيد على أن الرئيس ميقاتي ليس مرتاحاً لاندفاعة الرئيس سعد الحريري الأخيرة في اتجاه الجنرال عون، ويقول إنه «متخوف من أن يؤدي وصوله إلى بعبدا، في هذا الظرف الى استمرار حال الانقسام في البلد التي نعاني منها منذ سنوات في وقت نحن بحاجة إلى طي صفحة الانقسام والمضي في مشروع توحيدي يحمي البلد ويحصنه في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة». أضف إلى ذلك، يتابع الرئيس ميقاتي، «إن وصول العماد عون من شأنه أن يضعف موقع الطائفة السنية، وموقع القيادات السنية المعتدلة تحديداً، لأنه لم يظهر في الفترة الماضية تعاوناً بناءً مع قادتها بروح ميثاقية وندية، ونخشى أن يستمر هذا النهج في الفترة المقبلة».
وأسجل أن الرئيس ميقاتي قال «فضلاً عن ذلك، إن وصول عون يمكن أن ينتج تطرفاً سنياً إضافياً، لأن القاعدة السنية لا تطمئن إليه، لأسباب عدة لعل أبرزها أنه يتحدث عن السنة بأسلوب استفزازي في حالات عدة، رغم محاولاته اللاحقة محو هذا الانطباع عنه بمبادرات لم تبدد المخاوف الحقيقية من انفعاله وحقيقة تفكيره في هذا السياق». هل تهب رياح «المستقبل» بما تشتهي السفينة العونية؟ هل تستطيع إيران التفاوض على «سلة لبنانية « مطروحة، بالتفاهم الضمني مع عواصم أوروبية ومع واشنطن، على هامش الصفقة المرتقبة بين موسكو وواشنطن؟ هل تنجح طهران في إيصال عون إلى قصر بعبدا في مفاجأة غير محسوبة؟ مع أن الرئيس ميقاتي «لا يعتقد أن الأمور سائرة في هذا الاتجاه»، لكن الرهان العوني الطائفي الفاقع قائم، والعونيون متفائلون. والسباق إلى بعبدا قائم بين الطائف والطائفة.. ومشروع «ولاية الفقيه» في قلب المعركة.