كما كان متوقعاً، استخدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما حق النقض «الفيتو الرئاسي» ضد مشروع قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، المعروف اختصاراً باسم «جاستا»، معطلاً بذلك إقرار القانون الذي أقره الكونجرس الأمريكي قبل أقل من شهر، وهو القانون الذي سيسمح لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر برفع دعاوى ضد حكومات الدول التي تتهمها واشنطن بضلوعها بتلك الهجمات رغم عدم ثبوت صحة تلك الاتهامات بشأن بعض الدول المقصودة وبينها المملكة العربية السعودية.
وخيراً فعل الرئيس أوباما عبر استخدامه الفيتو الرئاسي ضد «جاستا»، فالكونجرس عبر إقراره هذا القانون فإنه يزج بالولايات المتحدة في رهان خاسر، بل إن الولايات المتحدة هي أكبر الخاسرين من هذا القانون، الذي بمجرد الموافقة عليه فإنه سيمنح دولاً أخرى الحق أيضاً في إقرار مثل هذا القانون.
وبذلك ستكون أمريكا المتهم الأكبر في الكثير من الأحداث والمآسي لمئات الآلاف من العوائل التي راحت ضحية الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أحداث 11 سبتمبر، ويكفي أن أمريكا دخلت في حربين مباشرتين مع أفغانستان والعراق، وهذا أقل ما يمكن ذكره، والذي يضع أمريكا موضع المتهمة الأكبر لما سببته من مآسٍ لأسر عراقية وأفغانية.
ولكن الإدارة الأمريكية الحالية فطنت إلى ما ينتظرها من مستقبل قد لا يكون في صالحها، لذلك استخدمت الفيتو ضد «جاستا»، واضعة مصلحة الأمن القومي الأمريكي والإضرار بالمصالح الأمريكية ومبدأ الحصانة السيادية أعذار للرفض.
والسؤال الأهم الآن، ماذا بعد الفيتو الرئاسي ضد «جاستا»؟ هل انتهت مغامرة الكونجرس إلى هذا الحد؟ أم سيصر على إقرار القانون ويجمع ثلثي أصوات أعضائه للموافقة عليه دون الاعتبار للفيتو الرئاسي؟ بالرغم من أن أوباما استخدم الفيتو الرئاسي 11 مرة ولم يتم تجاوزه أبداً من الكونجرس، إلا إذا كان للأعضاء من حزب الجمهوريين رأي آخر أو ضربة أخرى يرغبون في توجيهها إلى أوباما قبل أقل من 50 يوماً من انتهاء فترة رئاسته؟! فهذه حسابات أخرى.
ولكن على الكونجرس أن يكون ذكياً وألا يتجاوز «الفيتو» الرئاسي حتى لا يتسبب أعضاء أخذهم «الحماس والاجتهاد» مثل السيناتور الجمهوري جون كورنين والسيناتور الديمقراطي تشاك شومر، للمغامرة بالعلاقات الأمريكية مع حلفاء استراتيجيين وشركاء رئيسيين في مكافحة ومحاربة الإرهاب وتأتي في مقدمتهم السعودية، من أجل تهم تفتقد للأدلة، كما أكد ذلك البيت الأبيض وعدد من المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين وجهوا خطاباً مؤخراً للرئيس أوباما دعوه إلى رفض «جاستا».
وهناك سؤال آخر لأعضاء الكونجرس المحترمين، إذا كانت السعودية موضع اتهام - غير مثبتة صحتها - فلماذا وافق مجلسكم المحترم قبل أيام على تأييد بيع صفقة أسلحة وعتاد عسكري للسعودية بما يتجاوز قيمته 1.1 مليار دولار؟ كيف يوافق مجلسكم على مد دولة بالأسلحة وأنتم في ذات الوقت تكيدون لها تهم أنتم عجزتم عن اثبات صحتها؟ أليس هذا تناقضا من مجلسكم؟ ثم إن إيران كانت موضع اتهام كبير في تلك الأحداث، بل إن أحدى المحاكم الفيدرالية في نيويورك قضت في مارس الماضي بتورط إيران وما يسمى «حزب الله» و»القاعدة» بهجمات سبتمبر، واستند القاضي جورج دانيلز في ذلك الحكم إلى 6 وثائق قضائية، فلماذا لم نسمع ضجيجاً عن إيران والقاعدة و«حزب الله» في أروقة مجلسكم؟ أما على الصعيد الدولي، فإن ردود الأفعال الدولية توالت بشأن «جاستا»، ولم يحظَ بأي تأييد بل على العكس، حيث عبرت الكثير من الدول والمنظمات الدولية عن قلقها بشأن هذا القانون لأنه جاء ضد ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، باعتباره مخالفاً لأسس العلاقات الدولية، القائمة على مبادئ المساواة في السيادة، وحصانة الدول، والاحترام المتبادل، وعدم فرض القوانين الداخلية لأي دولة على دولة أخرى، بمعنى آخر، أرى أن أعضاء الكونجرس يحتاجون إلى تثقيف أنفسهم في القوانين والعلاقات الدولية، لأن «جاستا» يعد مخالفاً لمبادئ الأمم المتحدة وللعلاقات والقوانين والأنظمة بين الدول.