بالأمس طرحنا سؤالاً رئيساً، وهو هل تتحول الدول العربية خلال السنوات الخمس المقبلة إلى دول هشة، وبالتالي هل يمكن أن نشهد منطقة هشة عريضة في الشرق الأوسط؟ وما مستقبل الدول العربية الهشة؟
سنبدأ بالإجابة على الجزء الأخير من السؤال المتعلق بمستقبل الدول العربية الهشة التي صارت هشة. وهي تنقسم إلى نوعين، الأول دول صارت هشة منذ فترة العقد تقريباً، ودول دخلت حديثاً القائمة وتحولت إلى دول هشة. في النوع الأول، فإن هذه الدول استقرت هشاشتها، ودول النوع الثاني في طريقها نحو استقرار الهشاشة.
جميع الدول العربية تتشابه من حيث الظروف التي قادتها لتكون دولة هشة، وأبرزها انهيار مؤسسات الدولة، وغياب السلطة المركزية. هاتان السمتان موجدتان في جميع الدول العربية الهشة، لذلك يمكن القول إن المرحلة المقبلة لهذه الدول أن تتحلل مؤسسات الدولة فيها، وتنتهي السلطة المركزية تدريجياً، مقابل ظهور مؤسسات بديلة، وسلطات فرعية في الدولة الواحدة.
شاهدنا هذا النموذج بوضوح في العراق الذي تحللت فيه مؤسسات الدولة بسرعة رغم كل المحاولات لإعادة بناء الدولة بغد الغزو الأمريكي ـ البريطاني في مارس 2003. وشاهدنا أيضاً ظهور السلطات الفرعية داخل الدولة العراقية، فهناك سلطة تيارات ثيوقراطية راديكالية، وهناك سلطة جماعات إثنو ـ طائفية، إضافة إلى سلطة بعض الجماعات الإرهابية.
الخطوة التالية لمرحلة ما بعد الدولة الهشة، هي مرحلة تفكيك الدولة، حيث يتصارع أصحاب السلطات الفرعية على السلطة المركزية وهم يعلمون جيداً باستحالة السيطرة عليها، خصوصاً في ظل انهيار مؤسسات الدولة وعدم جدواها أو فاعليتها. عندما يبدأ التفكيك، تبدأ مرحلة أخرى من الصراع السياسي بين من قاد عملية التفكيك، ليتحول هدفه لاحقاً من السيطرة على السلطة المركزية، إلى تأسيس كيانه الخاص، وبمعنى أدق دولته الخاصة. هنا تنتهى الدولة العربية المركزية التي تحولت لدولة هشة، ثم دولة مفككة، وأخيراً دولة مقسمة.
الدول العربية مقبلة على مرحلة تقسيم مؤكدة، ولن تفيد معها التصريحات الدبلوماسية التي تؤكد «ضرورة الحفاظ على وحدة... وكيانها المستقل». مثل هذا التعامل ليس دبلوماسياً أساساً لأنه لا ينظر إلى الأوضاع الإقليمية بواقعية بقدر نظرته المثالية إليها. النظرة الواقعية العربية للظروف الإقليمية العربية يمكنها أن تساعد في الحفاظ على مصالح العرب الذين سيجدون أنفسهم مجبرين على التعامل مع دول عربية زاد عددها عن 22 دولة، وهذا ما سيحدث قريباً وليس بعيداً.