شكراً لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء على تدخله السريع واستجابته لفزعة «المغردين» للكبير «علي الشرقاوي» قبل أن تطول الحملة التي دشنوها مشكورين على وسائل التواصل الاجتماعي يسألون فيها الدولة أن تقوم بواجبها تجاهه، شكراً لأنه استجاب بسرعة قبل أن تطول الحملة أكثر من يوم وتصبح فضيحة أكبر للبحرين، فضيحة لا للمغردين ولا لعلي الشرقاوي، بل فضيحة لأي دولة أن يكون فيها قامة كعلي الشرقاوي ويضطر أن يطالب المواطنون فيها أن يذكروا دولتهم برموزها كي تحفظ لهم كرامتهم!!
المغردون على اختلاف توجهاتهم تحركوا لعلي الشرقاوي وبعضهم يختلف مع بعضه، تلك الروح الجامعة هي إنجاز الشرقاوي بحد ذاتها، هي صنع كلمات علي الشرقاوي، هي ثمرة عطائه هي غرسه في وطنه، وأهل البحرين هم أهل الوفاء الذين كتب لهم الشرقاوي مواويله ولامس شغاف قلوبهم بحروفه منذ طفولتهم، فعطاء هذا الشاعر يعود للسبعينات وشباب البحرين الذي أسسوا الحملة يدينون له بتأسيس وعيهم الوطني، وما فعلوه لم يكن سوى اعتراف بجميل، لم يكن سوى واجب أدوا أمانته فشكراً لهم على وفائهم وفزعتهم، وهذا العشم فيهم.
إنما بقدر ما أفرحتنا فزعتهم البحرينية الأصيلة وبقدر فرحتنا لاستجابة الرئيس لها، إنما أخجلتنا كبحرينيين، أخجلتنا كبلد كوطن كدولة! ففزعتهم كانت بلا تردد «فضيحة» لغياب نظام يجعل تلبية احتياجات أصحاب العطاء المتميز تلبية تلقائية تحدد فيه الدولة رجالها الذين لهم مكانة وعطاء وبصمات، نظام يكرمهم أحياء قبل أن يخلدهم أمواتاً.
وكرامتهم أحياء ليست بدروع يحملونها لبيوتهم يملؤون بها خزائن البيت، بل بإغنائهم عن السؤال حين الحاجة وحفظ كرامتهم إن خانهم الدهر، ولسنا بحاجة أن نكرر لو كان الشرقاوي في مكان آخر لعرفوا قدره!!
فزعة المغردين كشفت الغطاء عن فقدان هذا النظام وعن فراغ تشريعي كبير يحفظ مكانة «العظام» في البحرين لا حين الحاجة لعلاجهم فحسب بل فتح ملف «التفرغ» تفرغهم من أجل جزيل عطائهم، فتذكرنا أن ذلك كان قراراً وليس قانوناً وصدر على أيام المرحوم طارق المؤيد عام 1988 لمنح المبدعين حق التفرغ للإبداع دونما حاجة للعمل الوظيفي، ومنح منذ ذلك الوقت لعدد من المبدعين ثم أسيء بعد ذلك استغلاله، ولم يدخل عليه أي تعديل منذ ذلك الوقت والمتفرغ لا يحصل على أي امتيازات كالتي يحصل عليها الموظف، و«أبو فيّ» كان يعمل إلى آخر يوم شكا فيه قلبه المرهف من العمل في صحيفة «الوطن».
محنته أكدت مكانة مفقودة لا وجود لها للمبدعين تحتاج أن يفزع لها الناس حتى تنتبه الدولة وتتذكرهم وتنقذ ماء وجهها.
كم خجلنا ونحن نرى الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي وقبلها بأيام كتب الكاتب الإماراتي سلطان العميمي مقالاً عن الشرقاوي قال فيه إن «أبا فيّ لم يعد شاعراً بحرينياً، بل شاعر عربي استطاع أن يوصل الأغنية الخليجية بكلماته السهلة الممتنعة إلى أسماع كل العرب، وتعد تجربته مع الفنان خالد الشيخ هي الأبرز في مشواره مع الكلمة واللحن، ومن أشهر ما غنى له الشيخ، أغنية جروح قلبي وتر».
الشرقاوي معروف على مستوى العالم العربي لا على مستوى الخليج ومن المخجل أن يعرفوا أننا في البحرين البلد الذي تسقي عذاريه البعيد بعشرات الملايين من الدنانير يضطر فيها «المغردون» عندنا أن يذكروا الدولة بحق قامة كعلي الشرقاوي عليها أن تعالجه وقت مرضه، «لتتعطف» وتتكفل ببقية علاجه.
محنة الشرقاوي مع نكران الدولة كانت بالأمس حديثاً للمثقفين والفنانين والشعراء من أهل الخليج فتحت جروحاً بحرينية عزف عليها الشرقاوي بكت مكانتهم الضائعة وسوء التوزيع للثروات والاهتمام بالغريب ونكران القريب، جروحاً بحث لها الشرقاوي عن عازف للعود يضرب عليها، فضرب قلبه المنهك، فالسموحة «أبا فيّ»!!