أحياناً تبادر بالتهكم على قضية ما وتتطوع لطرح رؤية مغايرة، فيقاطعك محدثك متهكماً: هل يعنيك؟!! وأحياناً تهم بإعلان رأيك في شأن عام حرج وتود التعبير عن رفضك لمسار ذلك الشأن، فيتدخل رقيبك الداخلي متسائلاً: يعنيك؟!! وربما.. حتى لو كنت متوافقاً مع ما يحيط بك فإن شعوراً ما بدأ يتسرب كقناعة بأن أشياء كثيرة لم تعد تعنيك!!
الشعور بالاغتراب والتوجه نحو العزلة الاجتماعية يفسر علماء النفس والاجتماع بعض أسبابه بتفكك روح الجماعة وتخلخل تماسكها، مما يؤدي إلى ضعف شعور الفرد بالانتماء إليها وتراجع إيجابياته ومبادراته نحوها، ويعللون الأسباب التي تؤدي بالجماعة إلى فقدان «جاذبيتها» بعوامل عديدة، منها: تبني الجماعة لسمات سلبية تنفر قطاعاً من الأفراد منها، تشوش الأهداف الجماعية الحامية لكافة الأفراد، ونزوع الروح الفردية وتحول الجماعة إلى مصدر للتكسب والمصالح لفئة محدودة من الجماعة، وعجز الجماعة عن تلبية احتياجات الأفراد وعدم قدرتها على حمايتهم، وتنامي شعور الفرد بعدم تقبل الجماعة له أو عدم تقبله هو لها.
كل تلك العوامل قد تؤدي إلى تكون جماعات فرعية منشقة عن الجماعة الأساس أو تؤدي إلى شيوع الحالات الفردية الانعزالية وتفكك روابط الأفراد فيما بينهم، مما يهدد مستقبل الجماعة ويعرضها للاختراق والانحلال أمام أي ظرف طارئ، وما نلاحظه من عجز مجتمعاتنا عن صياغة مشاريع جماعية، ولجوء كثير من أفرادها الإيجابيين والفاعلين إلى تشييد مشاريعهم الفردية اعتقاداً منهم أن هذا هو المتاح أمامهم، أو ظناً منهم أن إصلاح الجماعة يبدأ من الخلاص الفردي، ليس ذلك إلا تجلياً للفشل الاجتماعي الذي قد تسير إليه بعض مجتمعاتنا، أو جماعاتنا.
إن أحدنا وهو يسير في الشارع، فإن المخالفات المرورية تعنيه لأنها تهدد حياته وحياة أسرته، والحفاظ على نظافة الحي يعنيه لأنه ضامن لصحته وجمال مسكنه، وتشرد الكلاب الضالة بين الأزقة يعنيه لأنها قد تهجم على أحد صغاره، وسلوكيات الأفراد العامة تعنيه لأنهم يتعاملون معه، وتردي الخدمات الحكومية يعنيه لأنها تؤثر على إنسانيته، والفساد المالي والإداري يعنيه لأنه يتعلق بحقه الوظيفي وبمستقبل الأداء الحكومي في البلد، وخطط الدولة التنموية تعنيه لأنها ترسم مستقبل أبنائه وأحفاده، ومواقف بلده السياسية تعنيه لأنها تحدد مصيره، عدا ذلك فإن غرق المركب بما حمل.. فإن هذا... قد لا يعنيه.