على قدر التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في الأعوام الأخيرة على كافة الصعد، يجب أن تكون الأفعال وردود الأفعال الخليجية بقدر حجم تلكم التحديات، فكلما زادت الضغوطات والتحديات في وجه دول المجلس يكون لزاماً عليها أن تقوم بتغيير الذهنية التي كانت «تعمل» قبل 30 عاماً من اليوم، كما يجب عليها أن تتعامل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية «القلقة» بشكل مختلف عمَّا كانت عليه قبل هذه المرحلة، وهذا يتطلب من المجلس أن يغيّر الكثير من الاستراتيجيات التي كانت تعتبر من أهم ثوابته في العقود الثلاثة الأخيرة.
لاشك في أن وضع الإقليم قد تغير بشكل كبير للغاية، كما أن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بدأت تطوِّق المنطقة بصورة صريحة وواضحة، فهناك هاجس الحرب والاقتصاد المترنح نتيجة هذه التحديات والمخاوف الحقيقية من الجماعات الإرهابية التي بدأت تدخل معارك شرسة مع الكثير من الدول، إضافة لعوامل كثيرة لا يمكن حصرها في هذه السطور تجبرنا على أن يكون حجم العمل الجاد لتغيير عمل مجلس التعاون الخليجي يسير بشكل متوازٍ مع هذه القضايا الشائكة والمعقدة، ولهذا قد نستغرب من البرود الذي تتعامل به بعض دول المجلس مع ما يجري في المنطقة وعدم انسجام سلوكها مع ما يجري بالشكل المطلوب!
إن تحديات الحرب والاقتصاد والإرهاب والحملة الشرسة من بعض الدول الكبرى لتغيير خارطة المنطقة وفق مصالحها تحتم علينا كخليجيين أن نولي أهمية قصوى لهذه القضايا بعيداً عن تجميل الأوضاع أو مجاملة بعض الدول على حساب مصالحنا المستقبلية، كما يجب أن تكون استراتيجياتنا أكثر وضوحاً وقوة في وجه الخصوم، وقبل كل ذلك، يكون من الأهم ترتيب البيت الخليجي بصورة صلبة ومنظمة تنسجم مع المتغيرات والتحديات الحاصلة حولنا، ولهذا نعتقد أن المجاملات والبروتوكولات الباردة لا تصنع موقفاً يواجه كل هذه القضايا المصيرية التي وصل مداها إلى الحلقوم، ولهذا لابد أن نشحذ الهمم ونعمل بشكل واضح على طريق بناء مجلس مختلف ينهض بدولنا ويحميها من التحديات الخطرة والمواجهات المحتملة، وهذا لا يكون -كما ذكرنا- عبر المجاملات الباردة والأعمال التي لا ترقى حتى لردود الأفعال في كثير من الأحايين التي نتمنى أن تكون مواقفنا قوية وثابتة.
ربما بدأت تتحسس بعض دول مجلس التعاون حجم هذه القضايا المصيرية فقامت بتغيير نمط استراتيجياتها حيال ما يجري حولها، لكن هذا وحده غير كافٍ في ظل وجودها في إطار منظومة «مجلس التعاون الخليجي»، ومن هنا يكون العمل على اكتمال العمل الممنهج في إطار هذه المنظومة هو الحل الأمثل وليس العمل بصورة منفردة. هذا ما يجب أن يكون وما لا يجب أن يكون عبر رؤيتنا لمستقبل خليجي أكثر أمناً وأكثر وضوحاً في ظل ضبابية الموقف الدولي من دول مجلس التعاون الخليجي الذي لم يعد يجري في سياقه الصحيح وفي ظل تحديات صلبة ومؤذية.