سأطرح موضوعاً للخيار، وأتمنى منك عزيزي القارئ أن تختار قبل الخوض في قراءة كلماتي اللاحقة. هل تريد السكن في قلب أحدهم؟ أم تريد السكن في منزل؟ أنا أؤمن أن الاختيار ما بينهما صعب جداً، فكلنا نحتاج إلى قلب يعيد إنعاش قلوبنا بعد الخوض في معارك الحياة، وكذلك.. كلنا نحتاج إلى منزل يأوينا في الليل والنهار، وأنا هناك تعمدت أن أسبق الليل على النهار، لكوننا جميعاً نحتاج إلى مأوى هادئ ليلاً يبعدنا عن صخب الأعمال في النهار.. مأوى يكفل لنا الاستقرار والكرامة الإنسانية في وجود احتياجاتنا الرئيسة تحت سقف واحد نلجأ إليه كل يوم.. مأوى.. في وطن.. يكفل لنا الأمن والأمان في ظل قيادتنا الحكيمة برعاية بواسلها وزارة الداخلية لها ولنا باعتبارهم العمود الفقري لمصطلح الأمن والأمان في المملكة.
ينتج الحق في السكن عن الحق في مستوى معيشي كافٍ، ولذلك فإنه يتسم بأهمية أساسية بالنسبة إلى التمتع بكافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فحق الإنسان في السكن اللائق هو حقه في أن ينعم بما هو أكثر من مجرد أربعة جدران وسقف. وهو حق كل امرأة ورجل وشاب وطفل في الحصول على بيت آمن يؤويه ومجتمع محلي ينتمي إليه ويعيش فيه بسلم وكرامة. واستناداً لذلك نصت المادة 11 «1» من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 على أن: «تقر الدول الأطراف بحق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية». وأن الحق في السكن الملائم محمي من الناحية الدستورية أيضاً لأهميته. فقد نص دستور مملكة البحرين في المادة 9 «و» على أن: «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين».
ولقد بينت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في التعليق العام رقم 4 للمادة 11 «1» من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن الحق في السكن ينبغي ألا يفسر تفسيراً ضيقاً أو تقييدياً يجعله مساوياً، على سبيل المثال للمأوى الموفر للمرء بمجرد وجود سقف فوق رأسه، أو يعتبر المأوى على وجه الحصر سلعة. بل ينبغي النظر إلى هذا الحق باعتباره حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة. وهذا مناسب لسببين على الأقل. ففي المقام الأول، يعتبر الحق في السكن مرتبطاً ارتباطاً تاماً بسائر حقوق الإنسان وبالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العهد. وثانياً، يجب أن تقرأ الإشارة الواردة في المادة 11 «1» باعتبارها إشارة لا إلى السكن فحسب وإنما إلى السكن الملائم، وذلك وفقاً لما أوضحته لجنة المستوطنات البشرية وكذلك الاستراتيجية العالمية للمأوى حتى عام 2000 بأن: «المأوى الملائم يعني.. التمتع بالدرجة الملائمة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية الكافيتين، والهيكل الأساسي الملائم، والموقع الملائم بالنسبة إلى أمكنة العمل والمرافق الأساسية وكل ذلك بتكاليف معقولة».
الجدير بالذكر، أن تقديرات الأمم المتحدة أشارت إلى أن هناك على نطاق العالم أكثر من 100 مليون شخص يفتقرون إلى المأوى وأكثر من مليار شخص يعيشون في مساكن غير ملائمة، وليس هناك ما يدل على أن هذا العدد آخذ في التناقص، بل إنه لا توجد دولة لا تعاني من مشاكل مهمة من نوع أو آخر فيما يتعلق بالحق في السكن.
وننوه، إلى أن الحق في السكن الملائم لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عن سائر حقوق الإنسان، ذلك أن التمتع الكامل بسائر الحقوق مثل الحق في حرية التعبير والحق في حرية تكوين الجمعيات، وحق الشخص في أن يختار بحرية إقامته والحق في المشاركة في اتخاذ القرارات العامة هو أمر لا غنى عنه إذا ما أريد إعمال الحق في السكن الملائم والمحافظة عليه لصالح جميع الفئات في المجتمع. وبالمثل، فإن حق الفرد في ألا يخضع لأي تدخل تعسفي أو غير مشروع في خصوصياته أو خصوصيات أسرته أو منزله أو مراسلاته يشكل بعداً بالغ الأهمية في تعريف الحق في السكن الملائم.
وفي هذا المحفل، نثمن الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء لوزارة الإسكان، ونشيد بتوجيهاته الكريمة للبدء في توزيع 3200 وحدة سكنية خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي نراه دائماً في ظل الدعم اللامحدود من قبل القيادة الرشيدة، والتوجيهات السديدة للحكومة الموقرة. كما نثمن الجهود المعطاءة والمبذولة والتي يقوم بها سعادة المهندس باسم بن يعقوب الحمر وزير الإسكان لكل ما من شأنه التطبيق الفاعل لمفردات استراتيجية الوزارة لحلحلة الملف الإسكاني.
وأخيراً، نقول للذين كان لهم نصيب في توزيعات الوحدات السكنية «ألف مبروك والله يجعله منزل مبارك لكم»، والفال للبقية إن شاء الله.

* باحث قانوني في المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان