الشرق الأوسط، تلك المنطقة الممتدة جغرافياً بين دولنا، جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً باتت منطقة الصراع الكبرى في الكرة الأرضية، وصار التنافس عليها واضحاً، فهناك من يطمع لبسط نفوذه في المنطقة، وهناك من يسعى للسيطرة على الموارد الطبيعية فيها، وهناك من يسعى لاستنزاف ثرواتها البشرية.
لن نتحدث عن أسباب هذا الصراع، بل سنتحدث عن القوى المنخرطة فيه لمصالحها المختلفة. هناك نوعان من القوى تتنافس على الشرق الأوسط، بعضها قوى إقليمية وأخرى دولية. لنتحدث عن الأخيرة أولاً، فهناك صراع ثلاثي أمريكي ـ أوروبي ـ روسي، هذه القوى الثلاث شاركت كثيراً في إثارة الفوضى والصراع في المنطقة، ولا يمكنها إيقاف هذا الصراع إلا إذا رأت في مصلحتها ذلك. أما القوى الإقليمية فهناك مجموعة أخرى من القوى تتنافس فيما بينها، تشمل إيران وتركيا والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
جميع هذه القوى لها مصالح متباينة، ولها نظرة مختلفة تجاه الشرق الأوسط، وكيف ينبغي أن يكون. لذلك نجد أن العلاقات بين القوى الإقليمية والدولية متباينة وغير مستقرة، ولا توجد بينها تحالفات بقدر شراكات مرتبطة بمصالح محددة.
قبل قرون كان منطقياً التعرف على سبب تهافت القوى الدولية على المنطقة، وسبب ترك العرب الفرصة لهذه القوى للسيطرة على مناطقهم. لكن الآن لا يوجد سبب مقنع يبرر سبب صمت العرب على تهافت القوى الدولية على مناطقهم وثرواتهم، لماذا الصمت مجدداً؟ ولماذا هم الضحية دائماً؟
ليس منطقياً أن تتهافت القوى الدولية على هذا الإقليم، ويظل أبناء الإقليم صامتين بانتظار ما يحدث. وليس منطقياً أيضاً أن تتفرج دول المنطقة وهي تتابع تفتيت دولها، وإدخالها في صراعات لا تنتهي بعد نشر الكراهية والفوضى.
استمرار التعاطي العربي -على الأقل- مع الصراعات في الشرق الأوسط يفتح المجال أكثر أمام مزيد من التدخلات الأجنبية، وأمام مزيد من الخسائر. فالمعادلة تقوم على علاقة طردية:
زيادة الصمت السياسي والعسكري = زيادة التدخلات السياسية والعسكرية الأجنبية
هذه معادلة أخرى تحكم الصراعات في الشرق الأوسط، ويجب الابتعاد عنها وتغييرها ممن تبقى من الدول العربية، وإلا ستكون النتيجة حتمية لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
سبب تأخر تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد ليس صعوبته أو التحديات التي يمكن أن تواجهه، بل سببه تمسك بعض الدول بسيادتها وحفاظها على الإرادة الشعبية التي يمكن أن تمنع أي تدخل أجنبي، أو تسهم في تحقيق تغيير في مسار هذه الصراعات. أما استمرار الوضع كما هو عليه الآن فلن يؤدي إلا إلى إطالة أمد الصراع، وتفتيت دول الشرق الأوسط بشكل بطيء.