استكمالاً لما بدأناه به في مقال «شباب البحرين والصيف»، وتنويهنا لأهمية مراعاة الاختلافات الحاصلة ما بين جيل اليوم الناشئ والجيل الذي سبقه من ناحية الاهتمامات وطرق تمضية الإجازات الصيفية في المنزل فجيل اليوم الناشئ يدمن الجلوس أمام شاشة الهاتف الذكي و«الآيباد»، ولا يمكن أن يستغني عنهم أو لا يتجول في فضائهما الإلكتروني لدرجة أنهما تحولا مع الوقت إلى الصديق الصدوق، ولا نبالغ إن قلنا قد أخذوا يلعبون في حياتهم دور المربي والمعلم والموجه ويغرسون فيهم الكثير من القناعات والأفكار والقيم.
كثير من أولياء الأمور من العائلات البحرينية لديهم فكرة تقليدية سائدة واعتقاد أن الحرص على أبنائهم يكمن في منع تركهم يتجولون في الشوارع أو المجمعات لأوقات متأخرة بلا هدف ورقابة وللحفاظ عليهم من المخاطر الخارجية غير أنهم يجهلون أن العدو الحقيقي موجود معهم داخل المنزل، يتخفى في مواقع التواصل الاجتماعي وبإمكانه بسهولة الوصول إلى أبنائهم والتغرير بهم، لذا فالحاجة الملحة اليوم من جانب أولياء الأمور لمراقبة أبنائهم ومشاركتهم ساعات الجلوس أمام هذه الأجهزة الإلكترونية أما من جانب القطاعات المسؤولة بالدولة عن شؤون الشباب فالمسؤولية والجهد يتضاعفان فهناك ضرورة ملحة وأمام هذا الغزو الإلكتروني الحاصل لمجتمعاتنا وبيوتنا في إيجاد تكوينات إلكترونية في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي وخلق أنشطة وبرامج إلكترونية وإطلاق حسابات إلكترونية على هذه المواقع تستقطب الشباب وتسخر جهودهم نحو خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم وعائلاتهم وتوجد لهم مساحات التفاعل والتعبير والمشاركة بل وتنمي فيهم مفاهيم الولاء والوطنية ومناهج الإسلام الصحيحة خاصة منهج طاعة ولي الأمر وتغرس فيهم الأخلاق الحسنة والمبادئ الإسلامية السمحة.
الجهات الشبابية في البحرين اليوم عليها مراجعة نفسها والتكيف مع موجه التغيرات والطفرة الإلكترونية الحاصلة والتماشي مع اهتمامات الشباب في العالم الإلكتروني الافتراضي والبعد عن الأجواء الروتينية التقليدية التي لم تعد تجذب كثيراً هذا الجيل الناشيء، فالشاب اليوم يمضي ما لا يقل عن أربع ساعات يومياً على هذه المواقع وقد يهتم بالدورات الإلكترونية على هذه المواقع والحسابات أكثر من دورات المراكز الشبابية «أظهرت دراسة حديثة لشركة أبحاث أمريكية تسمى GfK عن استخدام المراهقين للإنترنت أن الوقت الذي يتم قضاؤه بواسطة المراهقين في العمر بين 13 و 17 سنة تزايد بنسبة 37% منذ عام 2012 وأن معدل الوقت الذي يقضيه المراهق الآن على الإنترنت أكثر من 4 ساعات يومياً والمثير أن البالغين في العمر من 18 فما فوق لم يختلفوا عنهم كما أكدت دراسة أخرى أن ما يقرب من 20 % من الأطفال والشباب والمراهقين في كوريا الجنوبية تحولوا إلى مدمنين وأن معدل استخدام الهواتف الذكية بين الأطفال والمراهقين بلغ ثلاثة أضعاف العام الماضي، وأن كثيراً منهم يمضون أكثر من سبع ساعات على هذه الأجهزة يومياً، ويصل معدل انتشار الهواتف المحمولة والذكية إلى أكثر من 100 في المئة».
ولا ننسى إدمان الأطفال والمراهقين للألعاب الإلكترونية «هل اطلع أحدكم على خبر مفاده أن مقاتلي «داعش» ومن خلال تركيز جهود التنظيم على التغرير بالفتيات والمراهقين قد أخذوا يتسللون إلى الأطفال أيضاً عبر إطلاق ألعاب إلكترونية مشوقة وجذابة على الإنترنت؟ وقيام التنظيم بالدعاية له على موقع «يوتيوب»؟
إن الخطر على الشباب اليوم يأتي عن طريق ما يتلقونه على مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الإنترنت، وأن هناك حاجة فعلاً لتفهم مرحلة اضطراب الهوية التي يمر بها كل مراهق وشاب التي بينها العالم النفسي اريكسون من خلال نظرية النمو النفسي الاجتماعي ومرحلة البحث عن الهوية عند الجهات القائمة على الشباب في البحرين لإيجاد أنشطة إلكترونية تعمل على تشكيل هويته الدينية والوطنية والفكرية والجنسية.
قبل عصر الإنترنت اقترح اريكسون فتح قنوات اتصال اجتماعية من خلال نظريته واليوم يبدو أن كلامه يلامس الواقع أكثر مما سبق، ولابد من استقطاب وجذب الشباب من خلال هذه الكيانات الإلكترونية وجعلهم يشبعون حاجة بحثهم عن أدوار معينة في مجتمعهم لتأكيد أنهم أصبحوا مستقلين وقادرين على تحمل المسؤولية. في المملكة العربية السعودية ولمن يتابع أنشطة شبابهم على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» سيجد أنهم بأنفسهم قد أخذوا ينظمون حملات إلكترونية تغرس مفاهيم الوطنية والولاء لقادتهم من خلال حملات «نفديك يا وطن، والجيش السلماني، وتحالف الأقلام الوطنية، وأنا المسؤول، والله ثم المليك والوطن، وميدان لجلك يا وطن، ومعنا نصنع مستقبل المملكة، ومعاً ضد الإرهاب والفكر الضال، وبلغ عن الإرهاب 990، وجيش دعس وسبام الدواعش»، العناوين ملفتة وتؤكد أنها تترجم حاجات المراهق والشاب في أن يكون مسؤولاً وقيادياً بل الأجمل أن هذا الكيان الكبير يجند معظم شباب السعودية من مصممين وهاكرز وكتاب وصحافيين وإعلاميين وناشطين لأجل الدفاع عن السعودية إلكترونياً في كافة المنابر والمجالات بل وحتى الدفاع أمنياً من خلال إغلاق وتهكير حسابات تنظيم «داعش» التي تغرر بشبابهم، الشاب يدافع عن أخيه الشاب والمضحك أن أحدهم يقول «الله يعينكم علينا، إجازتنا الصيفية طويلة!».
المراهقون والشباب تحمسوا لهذا الكيان لأنهم يشعرون بالمسؤولية ولأنهم يشعرون أنهم غير مهمشين بل لهم دور في مجتمعهم تماماً مثل جنود الوطن ورجال الأمن، المراهق عموماً يحب أجواء «الأكشن» والصراعات - لاحظوا كثيراً من الشباب يميل للألعاب الإلكترونية التي تحوي صراعات وحروب واجواء الشرطة والحرامية، لذا فقد أحسنوا توظيف هذه الأجواء بطريقة تخدم مجتمعهم فهم يحاربون عدو أوطانهم وجهاً لوجه ويعيشون دوراً حقيقياً وإن كان إلكترونياً وقد لامسنا معهم كثيراً من مواقف الفرح ونشوة الانتصار وهم يغلقون حسابات داعشية أو مسيئة لأوطانهم تضم ألوف المتابعين أو يجعلونها تحت سيطرتهم ويضعون عليها صور قياداتهم وأعلام وطنهم!
هل بالإمكان أن نرى نموذجاً مماثلاً في البحرين، برامج وأنشطة وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي توظف أوقات وتفاعل الشباب عليها لخدمة الوطن والمجتمع.