يعني مبدأ الدفع بعدم التنفيذ أنه إذا امتنع أحد طرفي العلاقة التعاقدية عن تنفيذ التزامه المستحق الأداء يقوم الطرف الآخر بالامتناع عن تنفيذ التزامه أيضاً، ويدفع هذا الأخير أمام المحكمة بأن سبب عدم التزامه كان نتيجة عدم التزام الطرف الأول تجاهه. «أي يبرر هذا الطرف الأخير سبب عدم التزامه بتنفيذ بنود العقد كان نتيجة لتقاعس الطرف الأول عن تنفيذ بنود العقد الملزم بها».
وقد نصت المادة «140/أ» من القانون المدني البحريني الصادر بالمرسوم بقانون رقم «19» لسنة 2001 على أنه «في العقود الملزمة للجانبين، إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الأداء جاز لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به، ما لم يتفق على خلافه، أو يقضي به العرف بغيره».
وإذا كان من الجائز إعمال حكم المادة المذكورة أعلاه في العلاقات التعاقدية ذات الطابع الخاص، وفي ظل أحكام القانون الخاص، فلا يجوز ذلك في نطاق التعاقدات التي تبرم وفق أحكام القانون العام، ذلك أن التزام المتعاقد مع الإدارة في العقود الإدارية يحتم عليه التقيد الشديد بما ورد في كراسة الشروط وبنود العقد، وعليه فإن الإخلال بذلك الالتزام يرتب مسؤوليته العقدية، كما يعد ذلك الإخلال مبرراً لقيام الإدارة باستعمال كامل سلطاتها تجاهه مع تحميله آثار إخلاله بالتزامه التعاقدي، ما لم يكن ذلك الإخلال نتيجة قوة قاهرة.
ومرد ذلك أن التزام المتعاقد مع الإدارة يعد التزاماً بتحقيق نتيجة، ولذلك لا يكفي لإبراء ذمته منه أن يثبت أنه بذل عناية وجهد في سبيل الوفاء بهذا الالتزام، إنما يجب أن يلتزم بتحقيق الغاية التي استهدفها العقد بأدائه العمل محل التعاقد.
والتزامات المتعاقد مع الإدارة المشار إليها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة دوام سير المرفق العام بانتظام وباطراد، ولذلك لا يستطيع أن يمتنع عن تنفيذ التزاماته بحجة أن الإدارة قد قصرت من جانبها في تنفيذ التزاماتها، حيث أن المحافظة على دوام سير المرافق العامة تأبى أن يعطل المتعاقد أداء الخدمة لسبب من الأسباب، ما دام في وسعه أدائها. وقد طبق مجلس الدولة الفرنسي تلك القاعدة في أحكام كثيرة.
كما إن مجلس الدولة المصري استقر على ذات المبدأ منذ فترة - حيث استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أنه من المبادئ المقررة أن العقود الإدارية تتميز بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق الذي يهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة، ولما كان العقد الإداري يتعلق بمرفق عام فلا يسوغ للمتعاقد مع الإدارة أن يمتنع عن الوفاء بالتزاماته حيال المرفق بحجة أن ثمة إجراءات إدارية أدت إلى الإخلال بأحد التزاماتها قبله، بل يتعين عليه إزاء هذه الاعتبارات أن يستمر في التنفيذ ما دام ذلك في استطاعته، ثم يطالب جهة الإدارة بالتعويض عن إخلالها بالتزاماتها إن كان لذلك مقتضى، ومن ثم فلا يسوغ له الامتناع عن تنفيذ العقد بإرادته المنفردة وإلا حققت مساءلته عن تبعة فعله السلبي.
كما أكدت ذات المحكمة أن الامتناع عن تسليم أذونات مواد البناء ليست سبباً لتوقف المتعاقد عن العمل، حيث كان يجب عليه شراء هذه المواد من السوق الحرة ومحاسبة جهة الإدارة على ذلك.
وفي ذات السياق، ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى أنه: «أما عن توقف الجهة عن صرف بعض مستحقات الطاعن، فإنه على فرض حدوث ذلك، فإنه لا يخول الطاعن التوقف عن تنفيذ الأعمال المتعاقد عليها...... ولما كان العقد الإداري يتعلق بمرفق عام فلا يسوغ للمتعاقد مع الإدارة أن يمتنع عن الوفاء بالتزاماته حيال المرفق، بحجة أن الجهة الإدارية قد أخلت التزاماتها قبله، بل يتعين عليه إزاء هذه الاعتبارات أن يستمر في التنفيذ ما دام في استطاعته ثم يطالب الجهة الإدارية بالتعويض عن إخلالها بالتزاماتها إن كان لذلك مقتضى».
ويتأكد مما تقدم من أحكام أنه يتعين على المتعاقد مع الإدارة أن يستمر في تأدية التزاماته المنصوص عليها في العقد المبرم بينه وبين جهة الإدارة، حتى وإن هي قصرت في تنفيذ التزاماتها تجاهه، إذا كان هذا التقصير لا يعجزه عن مواصلة التنفيذ.