لا أعلم لم تعتقد الدولة أن مسؤوليتها تجاه تنشئة وتربية الشباب تبدأ وتنتهي في فترة العطلة الصيفية، أي حين تغلق المدارس وهذه مدتها شهران ونصف فقط؟
الأنشطة الصيفية التي تقوم بها الدولة منذ سنوات وعلى رأسها مدينة الشباب ومثلها خيمة نخول تستقطب مئات الآلاف طوال السنوات الماضية ولها دور وتأثير على شخصيات من ارتادوها، إنها تنتج لنا مواطناً تعايش وعمل مع الآخرين من أبناء البحرين لا طفلاً أو شاباً بقي معزولاً في بيئته المنغلقة.
الشباب البحريني الذي ارتاد «مدينة الشباب» تحديداً مميز عن غيره، كثير من رواد الأعمال الصغار منهم، ومن تلك الملاحظة المهمة نستقي مؤشرات على فوائد مثل هذه المشاريع اللاصفية. الشاب أو الفتاة يكتسبان الثقة والقدرة على الاندماج أكثر من غيرهما، حتى جامعتنا الوطنية مع الأسف لم تنجح في مشروع الدمج، فالتخندق الطائفي والمناطقي تراه بين الطلبة في الجامعة واضحاً، وكان من المفترض أن تخلق الأنشطة اللاصفية هذا الاندماج لكنها إلى الآن لم توفر العناصر الجاذبة.
مشاريع الدمج الواقعية كهذه التي ينخرط فيها عشرات الآلاف في السنة الواحدة فيها المجموعات الشبابية تختلط بأقرانها من المدن والقرى الأخرى، ويتعلم الفرد منهم معنى العمل كفريق ويتعرف على أناس من خارج منطقته في جو مريح لا امتحان ولا متطلبات دراسية كالتي في الجامعة أو حتى في المدارس الثانوية، خليط من مناطق البحرين يكونون فرق عمل واحدة، يتعلم أن نجاحه من نجاح فريقه أياً كان لون وجنس ومذهب أعضاء الفريق هي تجارب عملية يخرج منها الشاب والشابة بخبرة عملية مكتسبة لمعنى التعايش والعمل الجماعي والنجاح المشترك، تلك تجارب لا تمنحها أجواء الدراسة، وكذا تفعل خيمة نخول مع الأطفال، التي تجمع أطفال البحرين من مختلف المناطق تلك ميزة لا توفرها مدارسنا المنغلقة على أبناء القرية ومن يراهم الشاب في الحي ثم لا يرى غيرهم في مدرسته.
أي موازنة وضعت لمكافحة الإرهاب لا بد أن تكون تلك المشاريع من ضمنها، الدمج بين الطوائف لا يجب أن ينتظر إلى ما بعد العشرين، يكفي ما فعله مشروع امتداد القرى الإسكاني من عزل لمناطقنا عن بعضنا بعضاً، تداركوا هذا الخلل بالبحث عن بيئة ومناطق مختلطة تضم الشباب على الأقل ليحاكوا بعضهم بعضاً ويتعلموا معنى ومفهوم العمل المشترك، انزعوهم من تحت عباءات وأقبية ومدارس غير نظامية تعزل القرى والمدن عن بعضها بعضاً وتغلق عليهم مداركهم.
لو خصصت قيمة دبابة أو قيمة معدات أمنية لمشاريع الدمج «القسري» بين فئات المجتمع البحريني إناثاً وذكوراً شيعة وسنة يعملون ضمن فريق عمل واحد في مكان آمن ونظيف أرضاً وعقلاً، وخلقنا لهم أجواء تنافسية شريفة لقطعنا شوطاً كبيراً يغنينا عن بناء دور الإصلاح والتهذيب.
إعادة الدمج بين فئات المجتمع واحد من أهم المشاريع التي يجب على الدولة أن تضعها على سلم أولوياتها بكل الوسائل المتاحة، وإبعادهم عن سراديب التحشيد مهمة تناط للدولة لا لغيرها.
نريد شباباً متديناً خلوقاً محترماً في تعاملاته، لكن نريد شباباً منفتحاً على الآخر في وطنه ومع الآخرين من «مخلوقات» الكون.. نريد شباباً له خصوصية تعبده ومعتقداته الدينية لكنه مؤمن بالدولة وبالدستور وبالقانون ويحترم هويته وانتماءه العربي، تلك قيم تغرس تدرس تفعل تمتحن تلك قيم تمارس مثلما تتدارس ولا تترك للغرس العشوائي بل على الدولة مسؤولية غرسها على مدار أيام السنة لا في الصيف فقط!!