يتجسد مفهوم الحق في التدخل في أنه عملية ضغط وإكراه تمارسه منظمة دولية إقليمية، أو يأخذ شكل تحالف لجمع عدد من الدول أو حتى من جانب دولة واحدة فقط، بقصد إجبار الدولة المتدخل فيها على القيام بعمل ما، أو الامتناع عن القيام به أو العدول عن إجراءات معينة تعدها الدولة المتدخلة إجراءات تعسفية ضد رعاياها المقيمين على أراضيها أو الأقليات الإثنية من مواطنيها.
والجدير بالذكر، إلى أن هناك حالتين تجيزان التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، أولها ظهور توجه لدى الأمم المتحدة للتدخل في أمور كانت تعد في السابق من صميم الاختصاص الداخلي للدول، سواء كان ذلك لاستعادة الديمقراطية أو للإشراف على تحول ديمقراطي أو كان ذلك لحسم صراعات داخلية وتحقيق مصالحة وطنية داخل الدولة، أو لحل نزاعات ذات أبعاد إقليمية ودولية في آن واحد. وثانيها، التدخل المشروع تحت غطاء حماية حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية أو لحفظ و حماية الأمن والسلم الدوليين.
وإنه من المعلوم خطورة الأمر في مدى جعل حقوق الإنسان مسوغاً للتدخل الدولي في الشؤون الداخلية لدولة ما، الأمر الذي يمكن من خلاله استخدامه كمنفذ من منافذ المساس بالسيادة الوطنية واستغلال الجوانب السلبية لحقوق الإنسان في الدولة المستهدفة لمصالح سياسية لدولة مهيمنة أخرى.
ولذلك، فإن التدخل في شؤون الدول ذات السيادة لا يشكل إلا عبثاً سافراً في العلاقات الدولية، فلم تنال المجتمعات العربية من أسباب التدخل الإنساني على حساب حل الأزمات سوى قطفها لثمار الحروب الداخلية وانهيارات الأنظمة والاقتصاد مقابل المكاسب الثرية الخاصة للدولة المتدخلة.
وقد أشار مجلس حقوق الإنسان إلى أن التدخل في شؤون الدولة الداخلية يشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة الصادر في مدينة سان فرانسيكو عام 1945 حيث إنه يرفض التدخل وفقاً لمبادئ المساواة في السيادة، والاستقلال السياسي، والسلامة الإقليمية للدول، وحق الشعوب في تقرير المصير، وعدم استعمال القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون التي تندرج ضمن الاختصاص الداخلي للدول، وذلك احتراماً للعلاقة بين الدولة والشعب التي هي من جميع الاختصاص الداخلي للدولة، واعترافاً بحريتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون وضع العوائق والعراقيل لها، وذلك استناداً إلى ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في مادته الأولى الفقرة «2» إلى أن أحد مقاصد الأمم المتحدة تتضمن إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
ولعلنا نشير في هذا الصدد، إلى الخطاب السنوي للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي ألقاه في الكونغرس عام 1990 والذي أشار فيه إلى «أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف على أبواب القرن الحادي والعشرين، ولا بد أن يكون هذا القرن الجديد أمريكياً بقدر ما كان القرن الذي سبقه قرناً أمريكياً». وهذا فعلاً ما طبق من خلال استخدام كافة الوسائل المؤثرة على العالم من خلال تمكين القوة العسكرية المباشرة، وتوظيف منظمات الأمم المتحدة والمساعدات الإنسانية كغطاء لإضفاء الشرعية، وبالإضافة إلى تصميم وصفات جاهزة للأنظمة السياسية حسب أهوائهم ومصالحهم المبتغاة.
ونشيد بدعوة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد في القمة العربية المنعقدة أمس بالعاصمة الموريتانية العرب إلى اتخاذ موقف موحد ومتماسك لإفشاء أية تدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية. فبالتلاحم والتضامن العربي نبني قلاعاً للأمن العربي.. ونعيد للأمة العربية أمنها وأمانها واستقرارها.. لننادي بثبات بإذن الله بأن يكون هذا القرن عربياً.
ونختم بالإشارة إلى أن دستور مملكة البحرين قد نص في المادة الأولى منه على أن: «مملكة البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير، ولا يجوز التنازل عن سيادتها أو التخلي عن شيء من إقليمها». ولذلك.. عذراً، أيها العدوان الأجنبي، فالبحرين خط أحمر، سنقف أمامكم عندما تحاولون سحب خيوط نسيجها الوطني، وسندعو الله كثيراً بأن يجعل كيدكم في نحوركم!.