يبدو الوطن العربي في مرحلة مخاض صعبة وعسيرة، فرفاهية الريع النفطي كمرحلة، انتهت مع تكرار اضطراب أسعار النفط منذ السبعينات إلى الآن، وفشل سياسات دعم السلع في توفير الأمان للفقراء، في ظل استنزاف الدعم عبر الوسطاء، وانتهاء التنافسية على الأصعدة الوطنية التي توفر فرص الصعود السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي ذلك في زمن اهتزت فيه ثقة الشباب بالديموقراطية الغربية كآلية فاعلة للصعود إلى السلطة، نتيجة لفضائح التمويل المشبوه والخداع السياسي، وعدم كفاءة بعض من ينتخب من المسؤولين. وهناك تيارات شبابية غربية ترى مؤسسات الدولة بلا مصداقية أيضاً، لذا بات سقوطها هدفاً لها، وهذا يفسر صعود دونالد ترامب في جولات الترشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية، علماً أنه قادم من خارج هذه المؤسسات.
يقودنا هذا إلى أزمة الفكر الاقتصادي العالمي الذي يعاني في ظل قياس حجم النمو لكل دولة واعتباره المعدل السليم لتقييم أداء اقتصاد أي دولة. لكن المدارس الجديدة تطرح فكراً مغايراً بقياس مدى تحقيق الدولة رفاهية العيش لمواطنيها وانعكاس ناتج النمو الاقتصادي على الأفراد، وقدرة الأفراد على المساهمة في النمو الاقتصادي. فالدول التي تمتلك شبكات ضمان اجتماعي يعزف أفرادها عن العمل، وتستورد العمالة، كما هي الحال في دول الخليج العربي.
إن أحد المعايير التي يجب إعادة بنائها عربياً، يتمثل في قياس جودة الحياة وجودة المنتج العربي وفاعليته، وهنا يبدو العرب في حاجة إلى بناء نماذج اقتصادية جديدة خارج سياق النماذج التقليدية، على غرار ما فعلت الصين وكذلك الهند.
نحن أمام معضلة عسيرة، تتطلب استيعاب الأجيال الجديدة، التي تمثل القاعدة السكانية الرئيسية في الكثير من الدول. هذه الأجيال تعد الفرصة السانحة لإحداث تغييرات متواكبة مع الجديد من متغيرات العصر، كطبيعة السلطة، فالسياسة العربية التقليدية تتعامل مع المواطن العربي من منطلق أبوي رعوي. بينما الأجيال الجديدة تطلب النقاش العام والمشاركة في صناعة القرار، حتى تكون شريكة في صناعة المستقبل. هذا يقتضي تنمية مؤسسات تلعب دور المعبر عن رغبات فئات محددة في المجتمع وتطلعاتها تجاه قضايا تراها ملحة. ومن دون استيعاب هذه الطاقات، فمن الممكن أن تتحول بسهولة إلى ممارسة العنف عبر عدد من المستويات، بدءاً من حركات احتجاجية لإسقاط الدولة، إلى حمل السلاح. لذا، فإن إطلاق تشكيل منظمات المجتمع المدني، إنما هو في حقيقة الأمر تنظيم سلمي لحركات الاحتجاج الشبابية، ليكون لها دور في ترشيد القرار أو صناعته أو توجيهه أو نقاشه في الفضاء العام.
أما على الصعيد السياسي، فإن انسداد أفق المشاركة في السلطة ولد ثورات عنيفة في مصر وسورية، واحتجاجات في الجزائر والمغرب. وعلى تفاوت استيعاب كل دولة لهذه الاحتجاجات، فإن الحقيقة القائمة تؤكد أن الشباب العربي يمر بأزمة طاحنة تتطلب إعادة معادلة السلطة وتوزيعها في صورة تنظر إلى المستقبل، مبنية على متوسط عمر لمسؤولي الدولة الكبار، يتراوح بين 35 و55 سنة، مع إتاحة الفرصة لهؤلاء ليثبتوا قدراتهم على القيادة. فالشباب يملك الطموح والجسارة، وهذا ما افتقدته القيادات العربية في العقود الثلاثة الأخيرة.
إن معادلة حل أزمات العرب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مرهونة بقدرة العرب على الابتكار وإنشاء نماذج جديدة مختلفة من النجاح.
* نقلاً عن «الحياة»