نسبة قليلة من جماعة الولي الفقيه التي تحاول أن تقاوم «القانون» الآن، وتريد أن تثبت أنها غير معترفة «بالدولة» أما الغالبية فبدأت تعي وعياً غلبته الفطرة أن «الدولة» في النهاية أمر حتمي يحتاجه الفرد كي يعيش أماناً مستقراً، على عكس ما روجت له قيادات الجماعة ومع الأسف ساعدهم تكنوقراط ومثقفون غيبتهم الأيديولوجيا عن واقعهم فتجده دارساً في أرقى الجامعات ويعيش حياة ليبرالية لكنه في نهاية اليوم يسلم أمره لفقيه أو إمام يدير له عقله حين يتعلق الأمر بقيادة الجماعة، الاثنان تضافروا على تغييب الجماعة وخلق قطيعة بينهم وبين «الدولة».
ولا ننزع المسؤولية من الدولة حين أخطأت بترك مساحة إدارة الجماعة لتلك القيادات، وتركت الساحة الفكرية وأحياناً القانونية فارغة من حضورها، فاستولت تلك القيادات الدينية والسياسية على هذه المساحة.
اليوم الدولة تحاول أن تستعيد هذه المساحة وهذا حقها لذلك مازال بعض الخطباء وبعض الناشطين والإعلاميين يقاومون، والدولة بالمقابل مازالت مصرة -إلى الآن- على تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء لجماعة عن أخرى أو فرد عن آخر، معنى ذلك أننا نسير في السليم.
حتى صحيفتهم تحاول أن تلعب في الوقت الإضافي بخدع بصرية عقيمة مكشوفة تحاول إقناع الجماعة بأنها مازالت على التزامها معهم، مثل اختيار عنوان مختلف لخبر محاكمة 13 متهماً بجريمة كرباباد، فتصورها أنها جريمة قتل «لناطور» في حين أن الصحف الأخرى اختارت عنوان قتل «رجل أمن» أو قتل «شرطي» وكأن وظيفة الضحية ستغير من أمر الجريمة وبشاعتها في إزهاق روح صعدت لبارئها وهي تؤدي واجبها، أو ستغير بالتالي من العقوبة المنصوص عليها في القانون، ذلك خداع بصري وحيلة تخديرية للجماعة تساهم بتغيبهم عن الواقع، أو الاستمرار بجعل موضوع قرية الدراز مسلسلاً تركياً بتصوير الأمر حصاراً لقرية آمنة لحماية أمن المجتمع من تجاوزات بعض قاطني هذه القرية، تلك الصحيفة عين في الجنة وعين في النار، تحاول أن تمسك العصا من منتصفها بعد أن كانت متحيزة 100% للجماعة لا للدولة.
في النهاية قانون الفطرة والطبيعة يفرض نفسه، وهو الانحياز للقانون حين يكون القانون صارماً ومؤسسات الدولة متمسكة بإنفاذه.
فالجماعات في النهاية تبحث عن الأمن وتريد أن تمارس حياتها وأنشطتها من تجارة ومن دراسة ومن عمل ومن ترفيه وهي آمنة، وتسلم للدولة بعضاً من حريتها مقابل أمنها هذه هي أبجديات تكون الدول وتأسيسها، منذ إنسان الكهف إلى يومنا هذا لم تختلف قواعدها.
مبادئ أولية كتب عنها الفلاسفة والمفكرون الأوائل منذ أرسطو الذي قال إن «الإنسان حيوان اجتماعي» مروراً بلوك وجان جاك روسو فجميعهم وصلوا إلى قناعة أن الفرد لا بد أن يسلم بعضاً من حريته للجماعة، والجماعة بدورها تسلم بعضاً من حريتها للدولة.
«الدولة» إذاً هي الشكل الذي ارتضت به الجماعات لتنظيم شؤون أفرادها وتنظيم شؤونها مع الجماعات الأخرى، الدولة والعقود الاجتماعية والقوانين المنظمة للحقوق والواجبات بينهما هي التي يناط لها الأمر بإدارتها، الدولة إطار حتمي ولا بد منه كي يأمن الفرد على نفسه ويترك أمر حمايته لها، تلك ألف باء الدراسات التمهيدية في العلوم السياسية والقانونية، وتلك الأبجديات والمسلمات التي غيبها وتعمد القفز عليها منظرو وقادة الجماعات الدينية، من أجل هدم أسس الدولة وإسقاطها والقفز على فراغ السلطة فيها، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تتخاذل الدولة عن مسؤوليتها في إثبات وجودها عن طريق إنفاذ القانون، كما لا يجب أن تترك هذه الفئة المضللة الغاوية أن تستمر في إيهام الجماعة أن الخروج عن القانون حق للفرد! وأن من يقيد حرية الفرد المطلقة فهو طاغية وظالم ويجوز قتله! فتلك الفئة هي الأخطر على الدولة وعلى الجماعة، سواء بالتحريض أو بالتضليل فالأمر سيان.