كل من شهد الجموع التي كانت تخرج في سنوات ماضية لوداع شهر رمضان المبارك في لياليه الأخيرة بإمكانه أن يجزم بأن أعداد المشاركين فيها كانت أكبر من أعداد المشاركين في المظاهرات التي تخرج في بعض القرى هذه الأيام والتي تهتم الفضائيات «السوسة» ببث أفلام عنها وتضمينها برامجها المخصصة للإساءة إلى البحرين بغية القول إن البحرين بلاد لا تعرف الاستقرار وأن نفس «المعارضة» طويل بدليل الاستمرار في التظاهر والاحتجاج، ذلك أن أعداد المشاركين فيها يصعب معها إطلاق تسمية مظاهرة عليها، بل إن بعضها لا يتجاوز أعدادهم فيها أصابع اليدين.
هذا الأمر لا ينفع «المعارضة» بل على العكس يسيء إليها، فالمظاهرات قليلة العدد توصل معنى أن الآخرين يمتنعون عن المشاركة فيها لعدم جدواها ولعدم اقتناعهم بها خصوصاً وأن من يقوم بها أطفال وشباب صغير السن يبدو أنه لا يفرق كثيراً بين المظاهرة وأنشطة أخرى تتطلب السير على الأقدام ورفع الرايات وترديد الشعارات.
ليست المظاهرات من هذا النوع أو غيره فقط التي لا تخدم «المعارضة» ويمكن وصفها بالفاشلة ولكن حتى التجمع المستمر منذ شهر في قرية الدراز والذي لا ينال المشاركون فيه سوى التعب والقلق، فكل هذا يدخل في باب الأنشطة غير المفيدة بل المؤثرة سلباً على الحراك السياسي، ذلك أنها لا يمكن أن تؤدي إلى تحقيق مكاسب أو الحصول على تنازلات من الحكومة التي اتخذت أخيراً قراراً بحسم الأمر والتعامل بحزم مع كل من يخالف القانون بغية إغلاق هذا الملف الذي صار يتضرر منه المواطنون جميعاً بما فيهم أولئك الذين يتم رفع شعارات الدفاع عنهم.
ما ينفع «المعارضة» في مثل هذه الأحوال وفي هذه المرحلة على وجه الخصوص هو التواصل مع من بيده القرار في الدولة للتوصل إلى حلول معقولة تحفظ ماء وجه كل الأطراف ذات العلاقة وتؤدي إلى أن يتفرغ الناس إلى حياتهم ومستقبل أبنائهم. وبما أن الأبواب غير موصدة والطريق مفتوح لذا فإن على من بيده قرار «المعارضة» أن يدفع في هذا الاتجاه ويسلك هذا الطريق الذي لا بد أن ينتج ما يسر ويكفي الناس شر ما قد يأتي من طريق العناد والتحدي الفارغ.
أيضاً الاستمرار في عملية التهويل وتضخيم الأخبار وإعطاء كل موضوع أكثر مما يستحقه ويستوعبه لا يفيد «المعارضة» بل يضرها، فالعالم مثلاً لم يقتنع بالقول بأن الحكومة منعت إقامة الصلاة في جامع الدراز خصوصا وأن الجميع شاهد مع الخبر فيلما يظهر الكثيرين وهم يصلون فرادى، وهو ما يعني أن المصلين لم يمنعوا من الوصول إلى الجامع والدخول إليه، ويعني أن تعطيل الصلاة كان بقرار من بيده القرار من رجال الدين حيث كان بالإمكان – من الناحية العملية – قيام أي من أصحاب العمائم الذين كانوا حاضرين بكثافة بإلقاء خطبتي الجمعة وإمامة المصلين أو على الأقل أداء صلاة الظهر جماعة.
لا المظاهرات قليلة العدد أو حتى كثيرها، ولا الوقوف في الشوارع ورفع اللافتات، ولا التباكي والمظلومية وتوصيل الشكاوى إلى المنظمات الدولية وتوجيه السباب عبر الفضائيات «السوسة»، ولا التجمعات المستمرة مهما أوغلت في الزمن، ولا غيرها من أدوات قانونية أو غير قانونية يمكن أن تنفع في هذه المرحلة وهذه الظروف، ما ينفع حقا هو استغلال الأبواب المفتوحة والتواصل مع الدولة ومع من بيده القرار، والاستفادة من وجود الشخصيات البحرينية المعتبرة والتي لها وزنها وتحظى بثقة واحترام الجميع للقيام بهذه المهمة، وإذا كانت الفرصة مواتية اليوم للتوصل إلى تفاهمات معينة فقد لا تتوفر في الغد، والعاقل من يستفيد من الفرص ويتمكن من قراءة ما يدور حوله من تطورات قراءة واعية.