بعد ظاهرة الكره والخوف المرضي من العرب «العربوفوبيا» المتفشية في المجتمعات الغربية بسبب الأعمال الإرهابية الناجمة عن انتشار التطرف في مجتمعاتنا، إضافة إلى السياسات الغربية التي حولت الشرق الأوسط إلى كتلة تستقر فيها الفوضى، من الطبيعي أن يتم إلصاق التهم بأي عربي أو مسلم ارتكب أعمالاً إرهابية. لكن من غير المنطقي أن نرى عرباً تخلوا عن هويتهم وصاروا غربيين أكثر من الغرب، بل وصاروا ضد العرب أنفسهم وهم من أبناء جلدتهم.
لا تتعلق هذه المسألة بالحادثة الإرهابية التي وقعت في ميونيخ وتحول فاعلها من إيراني الهوية إلى مختل عقلياً، بل هي ظاهرة صارت موجودة في مجتمعاتنا، عندما نجد المصفقين لغير العرب في كل حادثة، وكأن مطلوباً من العرب إلا يفتخروا بهوياتهم!
تتدخل إيران في شؤون العرب وتعيث فساداً ببلدانهم، ونجد من العرب من يصفق لهم ويفتخر بهم، لا لشيء سوى أنه يتبنى أيديولوجية النظام الحاكم، فمهما فعلت أيديولوجيا ولاية الفقيه، فإنها صحيحة ويجب تسويقها لأنها تتفق مع ما يعتقده.
أيضاً يقع انقلاب عسكري في تركيا، ويفشل، وتتحول ثلة من العرب إلى انشغال مفرط بالترويج للأيديولوجيا التركية الحاكمة، وتصبح الحكومة التركية هي أفضل الحكومات في العالم. والسبب أن هناك من تبنى أيديولوجيا الإخوان المسلمين، وعليه واجب أيديولوجي أن يسوّق لكل ما هو تركي.
في بعض الدول العربية الفاشلة من المنطقي ومن المحتمل جداً أن نرى من يصفق لإيران أو لتركيا لأنه يراها تختلف عن فشل دولته، أو تردي مجتمعه. لكن أن يظهر كارهو العرب في دول الخليج المستقرة، فإنها مفارقة تاريخية غير مقبولة. أحدهم يعمل ليل نهار من أجل بيان إنجازات الحكومة التركية، ويتمادى في ذلك حتى يصل إلى مرحلة مقارنة الإنجازات بين ما قامت به حكومة أنقرة، وحكومات دول مجلس التعاون، فعلاً مقارنة غريبة.
دخل طالبٌ عربي إلى قاعة الدراسة بإحدى الجامعات الخليجية، ووجد عاملاً هندياً مكلفاً بتنظيف القاعة، فنهره سريعاً بضرورة الانصراف بأسلوب غير لائق، وقال بلهجة خليجية شائعة «يله بيا روه.. انت ما في فكر». حدث هذا الموقف أمام أديب الرقة الدكتور عيسى العاكوب الذي كان سيلقي محاضرة في اللغة العربية، فهاله ما سمع، وما قال هذا الطالب للعامل الهندي. تغيرت تعابير وجهه، وغضب غضباً شديداً، وحول محاضرته إلى درس في أهمية الاعتزاز بلغة العرب، وما أذكره أنه قال: «جميع شعوب العالم ترفض أن تغير في لغتها لأنها جزء من هويتها وثقافتها التي تعتز بها، إلا العرب الذين يعشقون تغيير الألفاظ والحديث بلغة غريبة تتكسر بها الألفاظ والمفردات».
مضى على تلك الحادثة نحو 20 عاماً ومازالت في الذاكرة، أتذكرها كلما شاهدت من العرب من يكره أبناء جلدته، ومن يرفض هويته، ويصفق للآخر، ويفتخر به قبل أن يفتخر بهويته.