روكسانا كاوسا تعمل في بنك «برادفورد آند بينجلي»، تلقت شكوى تفيد بأن طفلاً يبلغ من العمر ستة أعوام لم يحصل على العرض الخاص الذي وُعد به. قامت روكسانا بكتابة رسالة بخط اليد موجهة شخصياً للطفل كرد على هذا الطلب. سر الطفل كثيراً وكذلك سرت جدته التي كانت قد قامت بفتح الحساب بالنيابة عنه.
تخيل أنك ذهبت إلى طبيب لعلاجك فأجلسك على الكرسي المجاور لمكتبه أو على سرير الفحص ثم قدم لك الوصفة الطبية وأتم كل ذلك في 5 دقائق. تخيل الحالة الثانية لطبيب آخر رحب بك وأجلسك على الكرسي المجاور لمكتبه أو على سرير الفحص وقام بكل الفحوصات المبدئية وبدأ يسألك عن تاريخ الألم أو المرض وهل له امتداد في العائلة، وطلب إجراء فحوصات إضافية لتشخيص أفضل، وكتب لك وصفة طبية بناء على التشخيص الأولي، وتمنى لك السلامة وأنت تغادر عيادته. الآن دعنا ندرس الحالة الثالثة، دخلت على الطبيب ونهض من مكتبه ليصافحك، وبادرك بالسؤال عن أحوالك، وفعل كل ما فعله الطبيب الثاني ولكنه اتصل بالمختبر ليطلب تسريع نتائج الفحوصات وبدأ يسألك عن أحد أبنائك أو والدتك أو والدك، وأبدى اهتماماً بالسؤال وطلب منك إحضاره للاطمئنان عليه، وعند مغادرتك نهض من مكتبه ليسير معك خطوتين باتجاه الباب ليصافحك مودعاً ومتمنياً لك السلامة، وليعطيك رقمه الجوال للسؤال في حالة تطلب الأمر ذلك، ويطلب من الممرضة متابعة إتمام ما يلزم وأن ترتب جدول المواعيد، وأن تضعك على جدول اتصالاته ليتأكد من سير الأمور كما يجب. الفرق بين الحالات الثلاث هو ما نسميه بخدمة العملاء أو المراجعين، وهي العملية التي يتم من خلالها تلبية احتياجات وتوقعات العملاء من خلال تقديم خدمة ذات جودة عالية ينتج عنها رضا العملاء، وهم قسمان، عملاء داخليون، وهم الأشخاص الذين يعملون داخل مؤسستك ويعتمدون عليك في أعمالهم، وعملاء خارجيون، وهم أناس لا يعملون داخل المؤسسة ولهم حاجة تستطيع هذه المؤسسة تلبيتها لهم، وكلما تميزت فيها تمكنت من قلوب وعقول الناس.
في خدمة العملاء والمراجعين لا يتوقف الأمر عند المعاملة الحسنة والابتسامة الرائعة واللطف المبذول، بل يتعداه إلى اهتمام حقيقي وأصيل بالطرف الآخر، فكر معي في هذه الحالة الحقيقية «نيت بامبنيلا، تعمل صرافة بأحد بنوك فلوريدا، تعلمت لغة الإشارة حتى تتواصل بفاعلية مع عميلين أصمين وأبكمين»، ما الذي دفعها إلى الاهتمام بعميلين فقط من بين عشرات آخرين.
ما هو أصل أو منبع فكرة خدمة العملاء والمراجعين والدافع للتميز فيها؟
الكثير من الجهات العامة تقوم به لإرضاء مواطنيها وتخفيف سخطهم على أداء الأجهزه الحكومية الذي قد يتحول إلى سخط سياسي والمجتمات الديمقراطية تعتبر رضا الناس عنصراً أساسياً وجوهرياً في إعادة انتخاب المعنيين بالأمر. في القطاع الخاص يعتبر رضا العملاء على الخدمات المقدمة لهم محورياً ومهماً لنمو الأعمال وتطورها وازدهارها وتوسعها واستمرارها وهي عنصر حاسم في مواجهة المنافسة.
ولكن قلة قليلة من يتميز فيها ويبرع وهما في الغالب نوعان، الأول إما أن يكون ذلك توجهاً أصيلاً في شخصيته متمثلاً في التواضع وحب الناس وخدمتهم مهما كلف الأمر، وسأترك لكم الحكم على نسبة هؤلاء في المجتمعات البشرية، والثاني أن يكون ذا طموح وظيفي عال يدفعه للتميز في هذا العمل الجاد المضني.
هناك بعد آخر لخدمة حاجات الناس، خاصة لدينا نحن المسلمين، بعد قد نستوعبـــه ونحن في العشـــر الأواخر من رمضان، يلخصـــه الحديث الشريف - ركز في الجزء الأخير من الحديث - عن أبي هريـــرة رضـــي الله عنه عن النبي صلـى الله عليه وسلم قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كــرب الدنيـــا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
بعد أن تقرأ الحديث استرجع تصرف الطبيب الثالث في أول المقال، والتصرف الاستثنائي لـ «نيت بامبنيلا»، هذه أصول خدمة الناس «المراجعين والعملاء»، بالنسبة إلينا نحن المسلمين، مكسبها عظيم وهائل بلا حساب، يكفي أن يكون الله في عون العبد فهذا مكسب يتهاوى أمامه أي مقابل مادي.