فقدت مملكة البحرين منذ يومين في صدفة غريبة طفلين يحملان نفس الاسم، بل كثير من طالع صورهما وجد أنهما يتشابهان حتى وصل ظن البعض أنهما توأمان!!
أما عن طريقة الوفاة، فكانت السيارة هي العنوان، إحداهما وجد داخل صندوق سيارة ميتاً والآخر صدمته سيارة!
لمن يؤمن بالرسائل الآلهية وبالإشارات الكونية من الله، ولمن يعتنقون فكر أنه من بعد خاتم المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لم يتبق من بعد النبوة للمسلمين إلا الرؤيا والأحلام الصادقة من الله، والإشارات التي تنير درب المسلم وتجعله فطيناً، لمن يود الله سبحانه وتعالى إيصال شيء معين له، فالله يخاطب عباده من بعد الرسل عن طريق الكثير من العبر والحوادث في حياتهم ليمنحهم دروساً من حكمة تدابيره.
فراس بني جمرة وفراس الحد رحمها الله وجعلهما من طيور الجنة، ونسأل الله أن يهون على قلوب ذويهم ويلهمهم الصبر والسلوان، حزن رحيلهما خيم على جميع المواطنين والمقيمين، لم يحزن أحد على فراس الحد أكثر من فراس بني جمرة أو العكس، لم تكون هناك معادلة مختلة في الحزن وفاجعة فقدهما لأن فارس الحد من أصول عربية وليس بحرينياً، أو لأن الآخر من بني جمرة وينتمي للمذهب الشيعي مثلاً، لم يكن هناك تمييز في المشاعر فور توارد خبر وفاتهما، فالطبيعة البشرية والفطرة التي جاء عليها البشر جعلت كفتي الحزن واحدة في ميزان القلوب، بل جعلت الكل يشعر بأن فارس الحد وفارس بني جمرة كلاهما مثل أبنائهما أو أشقائهما الصغار تماماً، هما محل أحد أفراد أسرتهما لذا كان هناك وحدة في مشاعر الحزن عليهما.
كلاهما يتقاسمان معنا ذات الأرض وذات الوطن والجميع مهما كان مذهبه أو عرقه يتشارك مع عائلتيهما الحزن على رحيلهما عنا إلى السماء بطريقة مأساوية.
لعل هناك من تأثر وهو يستمع إلى طريقة كيف وجدوا فراس الحد في صندوق السيارة ميتاً ودارت الشكوك حول شبهة جنائية وذلك أمر ستكشفه لنا الأيام القادمة، فنحن نثق بكفاءة الأجهزة الأمنية التي ستسارع إلى كشف كل الحقائق وتضع النقاط على الحروف، وهذا الأمر بالنهاية لا يعني أن الحزن على رحيل فراس الحد يكون أشد من الآخر الذي أخذه حادث سيارة، وإن انشغلنا بالأول بسبب الغموض الذي اكتنف طريقة وفاته، فبراءة أعمارهما الصغيرة جعلتنا نحزن كثيراً.
للإنسان الفطين والعاقل أن يدرك ما حصل ويستوعب الرسائل الكونية التي جاءت لنا من الله سبحانه وتعالى، وحكمة أقداره في اختيار هذين الطفلين البريئين من أحباب الله مع اختلاف مذهب كل واحد منهما، بل ومناطقهما السكنية المعروفة باختلاف المعالم الأيديولوجية فيها، يرحلان في صدفة غريبة لخصها درس كوني لأهل البحرين والعرب المقيمين على أرض البحرين جميعاً، أن الحزن كاسميهما واحد، أن نهايتنا في هذه الحياة كشكليهما متشابهة الملامح، ذلك يذكرنا أننا جميعاً إخوة نعود لأب واحد وأم واحدة «آدم وحواء»، فكلنا إلى الله عائدون وكلنا عباده وإن اختلفت مذاهبنا وأعراقنا، الحزن الذي جمع ولم شمل أهل البحرين يمنح إشارات أن العائلة البحرينية مهما اختلفت مذاهبها وتعددت أعراقها واحدة، الدرس الذي علينا استيعابه أننا كما نتقاسم الحزن اليوم علينا في الأيام القادمة أن نتقاسم الفرح وأن نتقاسم كل هموم الوطن وأفراحه وأتراحه.
هذه هي البحرين، الذين ساروا في جنازة فراس الحد لا يختلفون عمن ساروا في جنازة فراس بني جمرة، طالما نحن كمسلمين نتشارك نفس الدين فلا ضر ولا ضرار. أزمة البحرين الأمنية في 2011 التي فرقت القلوب ها هي حوادث الأيام تأتي لتبين لنا أننا في النهاية بشر من طين وتراب واحد نحمل ذات المشاعر الإنسانية، وأن البحريني أصيل في حزنه وراق، في مشاعره ومعدنه ثابت لا يفرق ولا يميز بل يعتبر كل البشر إخوانه في الإنسانية، وأن الجماعات الإرهابية لم تستطع أن تغير أخلاقه وصفاته، وأن لمَّ الشمل يجب أن يعود، بعيداً عن المؤزمين والطائفيين وقادة الإرهاب.
اختار الله طفلين يتوفاهما الأجل في نفس اليوم وبنفس المصير ليذكرنا بآياته الكريمة «كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة»، المصير واحد وهو الموت، مهما اختلفت طريقة عيشتنا وحياتنا وحتى بيئتنا. ما حصل في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل يمنحنا رسالة كونية تذكرنا بطريق الموت، فالموت لا يميز بين سني ولا شيعي ولا بحريني ولا عربي، هل تكون براءة هذين الطفلين اللذين خطفهما الموت عنا مدعاة لتذكيرنا بما فات علينا، وقد نكون تناسيناه وغافلتنا أحداث الأيام عنه؟ رسالة خفية لكي نفهم أن وجودنا في هذه الدنيا ليس كي تغلب طائفة أخرى وتنتصر عليها. ففي النهاية مفاجآت الأقدار هي من تعود لتذكرنا أن مرقدنا الدائم «القبر» واحد، «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير».
* إحساس عابر:
- أنا بحريني وحزني واحد، لي على أرض بني جمرة قصة حزن ولي على أرض الحد ذات قصة الحزن.
- العشر الأواخر واحة من الخير لمن أراد أن يقطف من أيامها الحسنات وزاد البركة للأيام القادمة من بعد شهر رمضان.