تعلمت الدولة من 2011 درساً مهماً وهو أن ترك المحرض والمجيش والممجد والمروج والمضلل للإرهاب الذين يجلسون في بيوتهم وبين أحضان زوجاتهم وحولهم أبناؤهم والتعامل مع الإرهابيين لن ينهي الإرهاب أبداً، ولن تستقر الدولة بل لن تستقر دول مجلس التعاون، إن تركت هذه الماكينة تضللهم يومياً، وتقودهم للصدام مع الدولة، إن أمن دول مجلس التعاون اليوم في رقبتنا نحن أهل البحرين.
تعلمت الدولة أن أكبر حائل يقف دون إعادة اللحمة الوطنية والاندماج والعمل المشترك والاستقرار والتوجه للتنمية وتحقيق رؤية 2030 للبحرين وأمن استقرار المنطقة هم رؤوس الفتنة لا ذيولها، وأن كل برامج الدمج ومحاولات التوحيد الساذجة ذات النماذج المستوردة باءت بالفشل، فالدولة تفتح أحضانها وتنادي أبناءها وتبذل جهداً لاستقطابهم، ورؤوس الفتنة تعمل في منابرها الدينية والسياسية والإعلامية على إبعادهم وضرب الإسفين بينهم وبين الدولة «إلى أمس تصور جريدتهم أن معاناة قاطني الدراز هي من الإجراءات الأمنية لا من المخالفات القانونية».
تعلمت الدولة أن الشعب البحريني عاش قبل أن يوجد هذا «الفقيه» في تسامح وتلاحم وطني شيعي سني أياً كانت أصوله حتى مع من كانت أصوله فارسية كانوا ومازالوا أخوة لبعض لم تفرقهم معسكرات طائفية، وعوائلهم وأفرادهم كانت تعيش بخير وتسامح لم تعرف معنى هذا الانقسام وهذا التحشيد إلا بعد أن جاء هذا «الفقيه» وقسم الشيعة أولاً، وأخرج من لا يدين له بالولاء من ديارهم وامتد بنفوذه إلى خارج قريته وطارد العوائل الشيعية عائلة عائلة حتى غادر كثير منهم منطقته وبنى بيتاً بعيداً عن مناطق نفوذه هرباً من سطوته، ولا حل لعودة الروح البحرينية الأصيلة إلا أن تتقدم الدولة لحماية شعبها وإعادة لحمتهم من جديد.
خمس سنوات من الصبر على تلك المجموعة يسبقها عشر سنوات من السماح لهم بالعمل السياسي لم تفلح في إقناعهم بوقف مشروعهم التقسيمي والانخراط في مشروع الدولة، يظنون أن الأزمة والصراع بين «سلطات النظام وأدواته» - كما يسمونها- وبينهم، لا يرون أن الأزمة هي بينهم كجماعة «الولي الفقيه» فقط من جهة وبين كل الشعب البحريني وكل الشعوب الخليجية من جهة أخرى، الشعوب الخليجية كلها ضاقت ذرعاً من هذه الجماعة في كل موقع هم فيه في دول الخليج العربي.
هم في حالة عداء مع مشروع الدولة بكل مقوماته، حتى بعد أن دخلوه كممثلين عن الشعب في البرلمان دخلوه من باب التكتيك، لا من باب النهج الاستراتيجي، فعطل فقيههم المشروع الإصلاحي وحال بين جماعته وبين «العمل البرلماني» المحترف، أبقاهم رهائن فتواه لا يقبلون الخضوع للقانون والدستور البحريني إلا حين يسمح لهم بذلك، أمرهم برفض قوانين وقبول قوانين وحدد لهم قوائمهم الانتخابية، أمرهم بعدم قبول السنة في القوائم الانتخابية، كما أمرهم بعدم قبول الشيعة من غير جماعتهم، مشروع الدولة هو مشروع مدني يتأقلم يتطور مرن مع متغيرات العصر، أما مشروع هذه الجماعة ثيوقراطي حتى لو لبس البدلة وكانت نساؤهم سفوراً، ضدان لا يلتقيان أبداً، ولن تقوم للدولة قائمة وبينهم من لا يؤمن إلا بـ«ولاية الفقيه» لا ولاية الدستور.
وسواء أدركت هذه الجموع المحدودة أن مشكلتهم مع المرجعية لا مع الدولة، مشكلتهم مع الشعب لا مع النظام ولا مع الإعلام أم لم يدركوا، فإن على الدولة أن تكمل مهمتها التي بدأتها قبل أسبوعين دون انتظار من لا يريد الاقتناع، دون الالتفات إلى أصوات التهديد الإيرانية سواء جاءت من إيران أو جاءت من العراق أو من لبنان، أما أصوات القلق الأمريكي فهو آخر صوت يجب أن تسمعه فهو صوت الحليف الجديد لإيران، وقلق أي مسؤول أمريكي لا على البحرين بل على مشروعهم الإيراني الأمريكي المشترك، قلقهم من خسارة استثماراتهم التي بنوا عليها أحلامهم، قلقهم من اكتشاف «حصان طروادة»، لا على القلعة وأمنها، سكتوا عن كل انتهاك للحقوق الإنسانية في العراق وسوريا ولبنان من أجل تمرير مشروعهم وتفرغوا للبحرين التي تتصدى له، لذا على الدولة أن تتجاهل كل هذا التهديد وتستمر بلا تراجع في إجراءاتها القانونية.
* ملاحظة:
بعد جلسة المجلس الوطني التاريخية في 2013 قلنا انتهينا وحسمت الدولة قرارها بلا تراجع، وتحركت عجلة الحسم لكنها – كالعادة – سرعان ما عادت وتوقفت وتراخت، فهل استوعبت الدولة الآن أن ترددها هو تقوية للمشروع الأمريكي الإيراني، وأن تراجعها هو إضعاف للبحرين وإضعاف لموقف دول مجلس التعاون الذي يعتمد علينا؟! وأن الدماء والأرواح التي تبذل في اليمن لوقف هذا المشروع تعتمد علينا كثيراً حتى لا تنتقل إيران لجبهتنا وتفتح لها ثغرة جديدة بسبب ترددنا في الحسم؟ لنتذكر أننا قلعة الخليج وحصنها وأن البحرين كانت ومازالت عوناً لا عبئاً على أخوانها.