هناك اليوم من يعاود عزف أسطوانة مشروخة بالنسبة له، يشغلها بأسلوب «الحق الذي يراد به باطل»، يتباكى على أطلال تاريخ بلد، لو تأتى له الأمر هو، لنسفه نسفاً ولم يبقَ فيه أية أطلال مهدمة حتى.
هذه البلد عانت كثيراً من هذه «التقية» المقززة، سواء أكانت سياسية أو دينية أو اجتماعية أو إعلامية، حتى بتنا بالكاد نصدق ربع ما يقال ويكتب وما يتداول.
البحرين عانت كثيراً من الخناجر التي تضرب فيها وتفتتها وتقسمها إلى قطع، عانت من مجموعات، كل يريد البلد على مزاجه وهواه ومكسبه، ونسيت البحرين الأصل، التي كانت بوحدة أبنائها، بتسامحهم وحبهم، ورفضهم للأجنبي بأن يتدخل في شؤونهم، بل رفضهم بأن يقبلوا بينهم أحداً يوالي غير هذا التراب.
كانت بلادنا بخير، حتى بدأت جارة السوء إيران بغرس بذور العمالة في ترابنا، كبرتها واعتنت بها، حتى إذا كان موعد الحصاد حصدت انقلاباً تلو الآخر، على أرضنا تضيع ويكون لأحفاد كسرى صولة أخرى في بلاد العروبة والخليج.
لكن ولله الحمد، حفظت البحرين مراراً، سواء في عهد الشاه، أو ما بعده من عهود أكثر سواداً بقدوم تجار الدين المستعبدين لإرادة البشر المنتحلين لصفات الله تقدس عنهم، وباتت البحرين هدفاً أكثر تركيزاً، وباتت العمالة والخيانة واضحة في أوساطنا، بل بات الدفاع عن إيران وشتم البحرين سمة أصيلة فيمن يقولون ويدعون بأنهم «الأصليين» في البحرين.
الخائن والعميل حينما تفشل مخططاته، وحينما يتم دحره، لابد وأن «يٌكسر»، لابد وأن يُسكب سمه الزعاف، لابد ألا تقوم له قائمة مرة أخرى، خاصة وأن التاريخ – يفترض – أنه علمنا بأن الطوابير الإيرانية والعملاء في الداخل، دائماً ما كانوا يمارسون «التلون» ويستخدمون «التقية» سلاحاً حينما يتم كشفهم، فتتبدل الجلود، وتتغير الوجوه.
لذلك لا تستغربوا اليوم من إعلام أصفر يتلون خطابه، يترنح بين خطابات الكراهية والتقسيم والطائفية وتسقيط الآخرين في وقت «الدوار»، وبعدها يعود ليتجه في اتجاه معاكس للدعوة إلى الحوار والوحدة والتعايش والتسامح!
هي تناقضات ليست «ساذجة» تحصل بالصدفة، بل تناقضات «مدروسة» و«مبرمجة» تتم بهدف، وتأتي بناء على معطيات المرحلة، فالجبناء لا يسمع صوتهم إلا حينما يحسون بأن الساحة خالية، وأن لا خصم سيبرز في المواجهة، لكن حينما يرون السيل العرم قادم، والعاصفة تهب وتترائى لهم، فسرعان ما يدخلون الجحور، وأول ما يبدلونه الخطاب.
بالتالي، جملة «كاذبة» مثلما يسوقها الإعلام الأصفر المساعد على الانقلاب والتحريض، كدعوات التعايش والتصالح ورأب الصدع الطائفي، لن تنسينا نفس كلمات أصحاب هذه البكائيات اليوم، كلماتهم التي كتبوها وقالوها أيام الأزمة، في وسائل الإعلام ومن على منصات التسقيط، لن ننسى مقاطع الفيديو الموثقة، والتي يبكون فيها ويقولون بأن في البحرين «مجازر» وأن نظامنا فاق «النازية» وأن «الجثث» في الشوارع، وأن «الجاهلية الأولى» موجودة في البحرين من خلال حكامها.
لن ننسى أبداً ما اقترفته أيديكم، وما افترت به ألسنتكم على البحرين وعلى قيادتها ورموزها وعلى شعبها الذي لم يعرف التفرقة بين السنة والشيعة، إلا حينما وجد عيسى قاسم بخطاباته التقسيمية، والوفاق بحراكها الانقلابي العنصري، وبالإعلام الكاره للدولة، وكيف لا يكون كارهاً ومن يقوده أول من حرض على ميثاق العمل الوطني وقال للناس «لا تصدقوا حمد بن عيسى»، واليوم هو أول المتباكين على إجراءات الدولة وتطبيق القانون بحق المحرضين والإرهابيين، ويقول بأنه «يثق بحكمة ربان السفينة جلالة الملك»! أولم يكن من باب أولى أن تثق بحكمة ملكنا حفظه الله عشية الميثاق قبل سنوات، بدل التحريض عليه.
كل إناء بما فيه ينضح، والمواقف تبين لك المعادن، والحاقد يظل حاقداً عليك حتى لو أعليت شأنه وأكرمته، هذا هو طبع اللؤماء، إذ أي خير نرتجيه للبلد من شخوص أفنت حياتها في محاربة البلد علانية في حقبة أولى، وفي حقبة ثانية واصلت في حربها على البلد بأساليب «الحرباء المتلونة»، عبر دس السم في الكلام، وعبر ممارسة التقية، وعبر تبديل الوجوه.
مثلما لديكم مشروع لاختطاف البحرين بشتى الوسائل، ومثلما تستميتون في الدفاع عن إيران، مع الحرص على نفي ارتباطكم بها، رغم معرفتنا بمن يصرف عليكم سواء حين كنتم في لندن، أو من يمول تهريب السلاح والتدريب العسكري لمن بالداخل، مثلما نحن لن نتهاون في التصدي لكم، حرفاً بحرف، وفعلاً بفعل.
البحرين طيبة النفس، وقيادتها مثال للتسامح، وشعبها نموذج للمحبة، لكن حينما تأتي المسألة للخيانة، لا تطلبوا منا أن نقف ونتفرج، أو أن نجامل خائناً أو نتغاضى عن حاقد على البحرين، لأن هذا لن يحصل أبداً.