تتنوع الضمانات التي يتمتع بها المتعاقد مع الإدارة، فهناك من الضمانات ما يتقرر بموجب القانون، وأخرى تكون مقررة بموجب أحكام القضاء الإداري، وثالثة تتقرر بموجب الاتفاق بينه وبين جهة الإدارة.
الضمانات القانونية.
كان القانون المدني سباقاً في تطوره لمحاولة إقامة نوع من التوازن بين الطرف الضعيف في العقد والطرف القوي تطبيقاً لمبدأ العدالة. كما تطورت أيضاً قوانين المناقصات والمزايدات باتجاه إقرار مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المتعاقد مع الإدارة باعتبار أن ذلك يساعد على دوام سير المرافق العامة بانتظام وباطراد.
الوضع في مملكة البحرين:
نجد أن المادة (58) من القانون المدني البحريني الصادر بالمرسوم بقانون رقم (19) لسنة 2001 أجازت للقاضي في عقود الإذعان، بناء على طلب الطرف المذعن، تعديل بعض الشروط في العقد إذا ما كانت شروطاً تعسفية، ورفع ما فيها من إجحاف، أو حتى الإعفاء كلية منها ولو ثبت علمه بها، وفقاً لمقتضيات العدالة، وحتى لو وجد اتفاق بخلاف ذلك، حيث يعتبر هذا الاتفاق باطلاً.
وهذا الحكم بلا شك تأكيد وتأصيل للضمانات المقررة لصالح المتعاقد مع الإدارة، فرغم وجود الرضائية في إبرام العقود ومن ثم إعمال مبدأ سلطان الإرادة بشأنها، إلا المشرع لم يشأن أن يترك شروط التعاقد بعيدة عن رقابة القاضي، فقد يبرم الطرف المذعن العقد في ظل ظروف معينة أجبرته على التعاقد حينها، ولكن هذا لا يعني بأنه يظل أسيراً لشروط هذا العقد التعسفية والمجحفة إلى مالا نهاية، ومن ثم فقد أجاز القانون تعديل هذه الشروط التعسفية أو إلغائها كليةً إذا ما تقدم الطرف المذعن بطلب للقاضي بذلك. ومن ناحية أخرى فالمادة (96/أ) من ذات القانون أجازت هي الأخرى للقاضي بناء على طلب يقدمه ضحية الاستغلال، أن ينقص من التزام هذا الأخير، أو أن يزيد من التزام المتعاقد الآخر، أو أن يبطل العقد.
وفي مجال المناقصات والمزايدات فقد تنبه المشرع البحريني لكل ما حدث من مشاكل عملية بين جهات الإدارة والمتعاقدين معها قبل إقراره للمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2002 بشأن تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية ، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، ولذلك فقد جاء هذا القانون مشتملاً على أغلب الأحكام التي تحقق العدالة والشفافية والمساواة وحرية المنافسة بين الموردين والمقاولين. ومن تلك الأحكام ما يلي:
- المادة (4) التي حرصت على أن يكون الأسلوب الأساسي والرئيسي لعملية شراء السلع أو الإنشاءات هو المناقصة العامة والتي من خلالها يتم الإعلان عن العملية في الجرائد اليومية وإتاحة الفرصة المتساوية لكافة الموردين والمقاولين.
- المادة (8) التي قررت إنشاء مجلس مستقل للمناقصات والمزايدات يُعنى بالإشراف على كل ما يتعلق بعمليات الشراء والبيع الحكومي، بما فيها إصدار قرارات الترسية والبت في طلبات إعادة النظر والتظلمات المقدمة من الموردين والمقاولين.
- المادة (15) التي قررت أن تكون جميع أعمال المجلس ومداولاته سرية، وعلى جميع العاملين به المحافظة على تلك السرية وعدم الإفصاح عن أي عمل من أعماله إلا بإذن رئيسه، كما يشمل ذلك الالتزام بالمحافظة على السرية أي موظف يكون قد شارك في المناقصات أو اطلع على أي إجراء عن إجراءاتها بحكم وظيفته، وذلك كله فيما عدا ما يجيزه القانون بنص خاص.
- المادة (29) التي حرصت على أن تكون عملية فتح مظاريف العطاءات بحضور أصحاب العطاءات أو مندوبيهم، وعلى أن يتم إعلان اسم وعنوان كل صاحب عطاء يفتح عطاؤه وقيمة العطاء، وتدون نتائج فتح المظاريف في محضر، يتم التوقيع عليه من قبل أعضاء المجلس أو اللجنة بحسب الأحوال......يتبع
الضمانات القانونية المقررة للمتعاقد مع الإدارة.
نواصل عرض أهم النصوص القانونية الواردة في قانون المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية البحريني و التي تشكل ضمان للموردين والمقاولين سواء في مرحلة تقديم العطاءات أو بعد إصدار قرار الترسية.
- المادة (33) من القانون والتي نصت على أنه « لا يجوز إفشاء المعلومات المتعلقة بفحص العطاءات وتقييمها والمقارنة بينها قبل الترسية».
- المادة (37) التي استلزمت الإعلان عن جميع قرارات الترسية شهرياً في الجريدة الرسمية.
- المادة (49) التي حرصت على مراعاة السرية في المفاوضات التي تجريها الجهة المتصرفة مع الموردين والمقاولين بشأن عروضهم. وكذلك المادة (53) التي نصت على مراعاة السرية أثناء عملية تقييم الاقتراحات وفي المفاوضات بما يضمن عدم إفشاء أية معلومات تقنية أو سعرية، أو أية معلومات أخرى قد تضر بعملية الشراء أو بالمصالح المشروعة للموردين والمقاولين.
- المادة (56) والتي أعطت الحق لأي مورد أو مقاول التقدم بطلب إعادة النظر للمجلس أو للجهة طالبة التعاقد بشأن أي إجراء من إجراءات المناقصة أو أي قرار يتعلق بها، كما أجازت المادة (57) من القانون للمورد أو المقاول حق التظلم إلى المجلس في الحالات المحددة المنصوص عليها في هذه المادة.
- المادة (65) التي حظرت على المورد أو المقاول التأثير على نتائج المناقصة أو قرار الترسية بهدف إزالة المنافسة كتقديم الرشاوى والإغراءات لأي موظف في الجهة المتصرفة أو المجلس أو أية جهة حكومية. والتي حظرت كذلك الحصول على معلومات عن المناقصة بطرق غير مشروعة، أو التواطؤ مع المقاولين أو الموردين المشاركين في المناقصة، أو القيام بأية ممارسات تؤدي إلى الاحتكار.
- المادة (75) والتي نصت على أن « تعلن أسباب القرارات الخاصة بإرساء المناقصات العامة أو المناقصة على مرحلتين أو المناقصة المحدودة أو الممارسة أو طلب عرض الأسعار أو طلب تقديم اقتراحات أو بإلغاء أي منها أو باستبعاد العطاءات، في لوحة تخصص لهذا الغرض في مكان ظاهر للجميع وذلك لمدة أسبوع واحد لكل قرار، كما يتم إخطار مقدمي العطاءات بخطابات مسجلة مصحوبة بعلم الوصول على عناوينهم الواردة بعطاءاتهم».......يتبع
كما احتوت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية البحريني الصادرة بالمرسوم رقم (37) لسنة 2002 على العديد من الأحكام التفصيلية التي ترجمت المبادئ العامة الواردة في القانون والتي تعكس الضمانات المقررة للموردين والمقاولين.
وما يحسب للمشرع البحريني بشأن الإجراءات والجزاءات التي من الممكن إيقاعها على المتعاقد مع الإدارة أنه اكتفى بما تم الاتفاق عليه بين الطرفين في العقد، حيث نصت المادة (83) من اللائحة التنفيذية على أنه «يلتزم المقاول بإنهاء الأعمال موضوع التعاقد، بحيث تكون صالحة للتسليم المؤقت في المواعيد المحددة، فإذا تأخر طبقت في شأنه الأحكام المنصوص عليها في العقد».
ونصت المادة (88) من ذات اللائحة على أنه «يجب على الجهة المتصرفة في حالة عدم قيام المورد بالتوريد في الميعاد المحدد بالعقد أن تطبق الجزاءات المنصوص عليها فيه».
ومن هذين النصين يتضح أن جهة الإدارة لا تستطيع في هذا الشأن فرض أية عقوبة أو جزاء غير منصوص عليه في العقد المبرم بينها وبين المتعاقد معها. وقد خلا قانون المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية من أي نص يتعلق بالجزاءات نتيجة الإخلال بالعقد على عكس الوضع في مصر، فبإمكان جهة الإدارة توقيع الجزاءات المختلفة على المتعاقد معها نتيجة إخلاله بالتزاماته حتى لو لم يتم النص عليها في العقد، باعتبار أنه تم النص عليها في قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الحاكم الأساسي للعلاقة التعاقدية بينها وبين المتعاقد معها.
وهذه تعد ضمانة كبيرة قررها المشرع البحريني لصالح المورد او المقاول المتعاقد مع الإدارة.
ومن التعديلات التي طرأت على قانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية البحريني والتي تعكس توفير الضمانات للموردين والمقاولين ما يلي:
أولاً: التعديل الصادر بموجب القانون رقم (2) لسنة 2007 :
استبدل نص جديد بنص المادة (54)، حيث كان النص الأصلي لهذه المادة يعتبر العقد نافذاً فور صدور قرار الترسية على صاحب العطاء الفائز. وهذا النص لا شك أنه معيب ويفرض التزاماً على المورد أو المقاول الصادر قرار بالترسية على عطائه، دون أن يعلم بذلك القرار. ونتيجة لذلك بادر المشرع البحريني لتفادي ذلك الإشكال، باستبدال نص جديد بهذا النص، جرى على أن «يصبح العقد نافذاً من تاريخ إخطار صاحب العطاء الفائز بالمناقصة بقرار الترسية الصادر من المجلس بموجب كتاب مسجل بعلم الوصول..... «.
ثانياً: التعديل الصادر بموجب القانون رقم (29) لسنة 2010 :
وبموجب هذا التعديل زيدت ضمانات المتعاقد مع الإدارة وذلك على النحو التالي:
- تم إضافة فقرة جديدة للمادة (28) نصت على أنه « ويجوز بقرار مسبب من المجلس (مجلس المناقصات والمزايدات) الإعفاء من تأدية الضمان الابتدائي بناءً على طلب من الجهة المتصرفة واقتضاء المصلحة العامة ذلك شريطة أن يشمل الإعفاء جميع الموردين أو المقاولين المشاركين في المناقصات، ويجوز للمجلس -لاعتبارات المصلحة العامة- إعفاء مقدمي العطاءات المتعلقة بالدراسات والخدمات الاستشارية والتخصصية من تقديم الضمان الابتدائي».
- كما تم إضافة مادة (54) مكرراً جرى نصها على أنه : «يجوز للجهة المتصرفة تعديل كميات أو حجم الأعمال في العقد بالزيادة أو النقصان بحيث لا تتجاوز القيمة الإجمالية للزيادة أو النقصان نسبة 15% من قيمة العقد، ولا يجوز تجاوز هذه النسبة إلا بعد أخذ موافقة المجلس».
ومن الأحكام السابقة لبعض نصوص قانون تنظيم المناقصات والمزايدات والمشتريات والمبيعات الحكومية البحريني يتضح مدى حرص المشرع البحريني على توفير أهم الضمانات للمتعاقد مع الإدارة سواء في المرحلة السابقة على التعاقد أو في مرحلتي التعاقد والتنفيذ.
ويأتي هذا الحرص نتيجة إيمان المشرع البحريني بأهمية دور المورد أو المقاول المتعاقد مع الإدارة كمعاون لها في تحقيق أهدافها ذات النفع العام، وبالتالي توفير بيئة العمل المناسبة له حتى يتمكن من تأدية التزاماته وفق الشروط والمواصفات المطلوبة وخلال الوقت المحدد وبالدقة والكفاءة المنشودة. وهذا ما سوف يعود بالنفع والفائدة ليس على المتعاقد فحسب، بل على جهة الإدارة والمرفق العام الذي تديره.