إذا قابلك مصري وقال لك «على ما تُفـْرَج» - بضم التاء وتسكين الفاء وفتح الراء - وهو مثل شائع ودارج ومتداول لدى المصريين، فاعلم أن الأمر سيء جداً، وجد خطير، ونحن في انتظار فرج الله سبحانه وتعالى، فاذا قال لك مثلاً في وصف طبيب ما أنه «طبيب.. على ما تُـفـْرَج»، فاعلم أن هذا الطبيب فاشل ولا يتمتع بمهارة تذكر، وربما يصل لمرحلة وصفه بلقب «شبه طبيب»، أي أنه لا يستطيع تشخيص العلاج ومن ثم لا يستطيع وصف الدواء للمريض، وعلى الأخير أن يهرب منه وينجو بحياته من تحت يديه حتى يعيش ما تبقى من عمره بمرضه، أهون من أن يتسبب الطبيب الفاشل في وفاته عاجلاً، أو أن يستبدله بطبيب آخر يكون بطبيعة الحال ماهراً في مهنته!
استحضرني المثل المصري، وأنا أتابع الخطاب الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، الذي أكد فيه بكل صراحة أن «تمويل «حزب الله» يأتي بالكامل من إيران ولا يمر عبر المصارف اللبنانية»، مضيفاً «نحن ليس لدينا مشاريع تجارية وليس لدينا مؤسسات استثمارية تعمل من خلال البنوك، نحن وعلى المكشوف (...) وعلى رأس السطح نقول موازنة «حزب الله» ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من إيران»، مشدداً على أن «المقرر لنا يصل إلينا وليس عن طريق المصارف».
وكان ذلك تعليقاً من الأمين العام لـ «حزب الله» على القانون الأمريكي الذي أقره الكونغرس في 17 ديسمبر الماضي والذي يقضي بفرض عقوبات على البنوك والمصارف اللبنانية التي تتعامل مع الحزب أو أفراد أو كيانات ذات صلة به، أو تقوم بتبييض أموال لمصلحته، وبناء عليه أصدر المصرف المركزي في لبنان بداية مايو الماضي تعميماً حول ضرورة تنفيذ مضمون القانون. وقد سادت حالة من التوتر بين «حزب الله» والقطاع المصرفي في لبنان خاصة أنه ومنذ صدور التعميم أقدمت بعض المصارف على إقفال عدد من الحسابات لأفراد وكيانات على صلة بالحزب.
ولعل الخطاب الأخير للأمين العام للحزب يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن لبنان أصبح «دولة.. «على ما تُـفـْرَج»!!»، أو بمعنى آخر «شبه دولة»، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف أنتمي إلى بلد عربي، أعيش على ترابه، وأنعم بخيراته، وفي ذات الوقت أعترف صراحة أنني أتلقى معاشي ومصاريفي وأكلي وشربي وسلاحي وصواريخي من دولة أخرى ليست عربية، وحتى ولو كانت عربية؟! والأدهى من ذلك أنه لم يصدر أي تعليق من أي مسؤول في الدولة التي بلا رئيس منذ أكثر من عامين بعدما فشل مجلس النواب الخميس الماضي للمرة الـ 41 على التوالي في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس المنتهية ولايته في 25 مايو 2014، ميشال سليمان، نظراً لعدم اكتمال النصاب القانوني لعقد الجلسة، والسبب بطبيعة الحال استمرار مقاطعة كتلتي «الوفاء للمقاومة»، و«التغيير والإصلاح»، نواب «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» بزعامة ميشال عون وحلفائهما جلسات الانتخاب مطالبين بفرض مرشح معين، كشرط لحضور الجلسة.
وقبل أسبوعين استهدف تفجير قوي بعبوة ناسفة مصرف «لبنان والمهجر - بلوم» في منطقة فردان التجارية في بيروت، وسرعان ما ربطت صحف لبنانية بين الانفجار والتزام البنوك اللبنانية بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على «حزب الله»، واعتبرت أن ما جرى هو رسالة إلى القطاع المصرفي، قد تهدد ودائع مصرفية بـ 152 مليار دولار.
وأشارت تقارير إلى أنه «ربما وقع الاختيار على البنك لأنه الأكثر تشدداً في تطبيق قانون العقوبات الأمريكي ضد الحزب».
والتزم المصرف منذ البداية بالتعميم الصادر عن المصرف المركزي في مايو الماضي حول ضرورة تنفيذ مضمون القانون الأمريكي الذي أقره الكونغرس بفرض عقوبات على المصارف التي تتعامل مع «حزب الله».
وقد أدرجت واشنطن «حزب الله» منذ عام 1995 على لائحة «المنظمات الإرهابية» وتتهمه بلائحة طويلة من الهجمات من بينها السفارة الامريكية ومقر قيادة مشاة البحرية «المارينز» في لبنان في 1983. وفرضت في يوليو 2015 عقوبات ضد مسؤولين في الحزب تأتي وفق وزارة الخزانة الأمريكية في إطار «استهداف الدعم النشط الذي يقدمه الحزب لنظام بشار الأسد، فضلاً عن أنشطة الحزب الإرهابية الأخرى».
* وقفة:
هل أصبحت لبنان العربية «دولة على ما تُـفـْرَج» حتى يعلن حسن نصرالله أن معاشه ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه تأتيه من إيران دون رقيب أو حسيب؟! كيف يستطيع أن يجاهر بتابعيته لطهران وهو يعيش في لبنان، دون أن يتعرض للمساءلة؟! هل لبنان دولة ذات سيادة ولديها دستور وقانون أم دولة فاشلة أم أنها دولة عربية تابعة لحكم إيران ونحن لا ندري؟! أين رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام؟!