بالفعل شهد العالم الخميس الماضي زلزالاً عالمياً عندما اختار البريطانيون قرارهم التاريخي بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، ما أثار تساؤلات مفتوحة عن مستقبل التكتلات الدولية في النظام الدولي.
منظرو العلاقات الدولية كانوا على موعد مع مفاجأة ثقيلة بعد بدء تفكك الاتحاد الأوروبي، وخروج العملاق البريطاني منه، وهم الذين انشغلوا عقوداً ينظرون لمستقبل النظام الدولي، ويؤكدون أهمية مستقبل التكتلات كسمة جديدة للنظام منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن العشرين.
الاتحاد الأوروبي لن ينهار، ولا يتوقع له كذلك، لكنه سيواجه بالتأكيد صعوبات عديدة خلال الفترة المقبلة، لكن القضية الأهم التي أثارها الطلاق البريطاني التاريخي هي إمكانية تزايد النزعات الانفصالية في العالم، وهي نزعات ليست بجديدة بل قديمة، ودائماً ما يثيرها أي تحول في خارطة العالم، وتزداد حدتها أيضاً مع تزايد الصراعات السياسية الداخلية، أو تلك الصراعات التي تتم بين الدول.
النزعات الانفصالية دائماً ما ترتبط بإرث تاريخي، أو جماعات إثنية معينة تطالب بالاستقلال عن البلد الأم اعتقاداً منها بضرورة إنشاء دولة خاصة بها، ونماذجها كثيرة على مستوى العالم. كما لا تتعلق هذه النزعات بوجود أنظمة ديمقراطية عريقة أو جديدة، فعلى سبيل المثال في الديمقراطية البريطانية هناك نزعات انفصالية تطالب بتفكيك المملكة المتحدة إلى أربع أقاليم باستثناء إنجلترا. كذلك الحال في الولايات المتحدة التي تمثل نموذجاً آخر من نماذج الديمقراطية الغربية هناك نزعات انفصالية قديمة في كل من تكساس وآلاسكا.
استمرار وجود هذه النزعات لا يعني غياب الديمقراطية، بل يعني في الأغلب أن الديمقراطية الحديثة أو العريقة مازالت عاجزة عن استيعاب كافة مكونات المجتمع من حيث الحقوق والمصالح، بالتالي هناك أزمة حقيقية في هذه الديمقراطيات لم تتم معالجتها بجدية أو مناقشتها باستفاضة. ما يؤكد ذلك أن من دعم انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي هم أصحاب النزعات الانفصالية في المملكة المتحدة، وهو ما أثار تكهنات حالية بإمكانية عودة المطالبات بالاستقلال والانفصال عن لندن من إسكتلندا وأيرلندا وغيرها.
درسان مهمان من الطلاق البريطاني، الأول هو ضرورة استيعاب الديمقراطيات مهما كان عمرها لكافة مكونات المجتمع في أي بلد بطرق سلمية ودستورية مع محاربة النزعات المتطرفة وإن كانت انفصالية. والدرس الآخر أن فكرة تقسيم التجمعات والتكتلات الدولية والإقليمية خطرة، لكنها لا تعني نهاية هذه التكتلات، فدائماً ما يكون التكتل والاتحاد قوة.