الرسالة التي من الواضح أن البعض يريد توصيلها إلى العالم هذه الأيام ويوظف من أجل ذلك كل قدراته الإعلامية مستفيداً من الفضائيات «السوسة» هي أن حكومة البحرين تتخذ من العنف سبيلاً للسيطرة على الوضع وأنها منذ الساعة التي اتخذت فيها تلك القرارات الحاسمة وهي تمارس العنف بأشكاله. لكن لأن هذا غير دقيق، لم يجد طريقه إلى كل الآذان، حيث الواقع يؤكد قدرة هذه الحكومة على الصبر، بل الصبر الكثير.
لو أن ما يحدث هذه الأيام في البحرين يحدث في دول أخرى وخصوصاً تلك التي يعتبرها ذلك البعض نموذجاً ومثالاً لانتهت القصة في يومها الأول، فليست كل الحكومات تمتلك القدرة على الصبر كالذي تمتلكه حكومة البحرين. في تلك الدول تتخذ الحكومات قراراً فيأخذ طريقه إلى التنفيذ مهما كان قاسياً وصعباً، شاء من شاء وأبى من أبى، وفيها يتم ضرب كل معارض له أو معيق لتنفيذه على رأسه ضربة قد لا يقوم بعدها أبداً ويتم ضرب كل من يرفع صوته احتجاجاً على ضرب الأول. مثل هذا الأمر لا يتوفر في البحرين، وهو ما يعد نعمة تستوجب الانتباه.
لنتصور ما هو حاصل هذه الأيام هنا حاصلاً في طهران أو دمشق أو لندن أو باريس أو واشنطن أو غيرها من العواصم التي يعتبرها البعض نموذجاً ومثالاً للحريات، هل كان يمكن أن يستمر كما استمر هنا؟ ليس صعباً على الجميع تصور النتيجة، ففي كل تلك العواصم لا تتأخر الجهات المعنية عن وضع حد لما يحدث ولن يكلفها ذلك سوى سويعات أو ربما أقل، والمثير أن العالم كله لن يتأخر عن الثناء على الخطوات التي تمت وطريقة المعالجة رغم قسوتها ورغم أن أي اثنين لا يمكن أن يختلفا على أن ما تم ليس له عنوان سوى العنف.
صبر حكومة البحرين مثاله الأوضح والأكبر هو تعاملها مع الأحداث على مدى خمس سنوات تضررت فيها البلاد كثيراً حتى كادت تضيع، والمثال على صبرها وسكوتها عن الهجمة الإعلامية الضارية التي لم تتوقف منذ نحو ست سنوات صرفت فيها إيران وحدها ما لو خصصته لحل مشكلة الفقر لديها لما بقي فقير واحد في كل مدنها وقراها، ومثاله أيضاً سماحها طوال السنوات السابقة لكل من ارتدى قميص حقوق الإنسان ليسافر إلى أي مكان ويقول عن وطنه في المحافل الدولية ما لا يمكن لعدوه أن يقوله.
هذا صبر غير عادي تميزت به حكومة البحرين أوصلها إلى حد أن الكثيرين فهموا الرسالة على غير شكلها الصحيح، فاعتقدوا أن ذلك تأكيد على ضعفها وعدم قدرتها على حسم الأمور. أبداً ليس العنف هو ديدن البحرين التي لا تزال حكومتها تصر على أن ما يجري يدخل في باب العقوق، وإلا فإن مسألة وضع حد إلى ما يحدث بالقوة أمر سهل يسير، فالبحرين تتوفر على العديد من القوات العسكرية التي بإمكانها حسم الأمور في سويعات.
حكومة البحرين لا تريد أن تحكم بالنار والحديد كما تفعل حكومة الملالي في إيران وحكومة بشار الأسد في سوريا وكما تفعل حكومات أخرى ترفع شعار الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان. ما تريده حكومة البحرين وتسعى إليه بكل جهدها هو التوصل إلى طريقة يتأكد فيها ذلك البعض أن الطريق الذي اختاره لن يوصله إلى ما يرمي إليه وأن الأفضل له وللوطن هو أن يراجع نفسه ويعمل على إيجاد مخرج للحال التي أوصل إليها الناس فأساء إلى حياتهم وباعهم شعارات فارغة لم يجن منها الآخرون قبلهم شيئاً.
ليست حكومة البحرين التي تتخذ من العنف سبيلاً لمعالجة مشكلاتها.