بحسب تقرير صندوق النقد العربي، فإن حكومة البحرين نجحت في تخفيض 30 ? من النفقات التشغيلية لوزاراتها وقطاعاتها المختلفة.
الرقم بحد ذاته جيد، في ظل اعتماد سياسة التقشف وتقليل النفقات، لكنه في جانب آخر يكشف أموراً هامة ينبغي التوقف عندها.
النسبة المحددة بـ 30 ?، تمثل رقماً يجب معرفته أولاً.
بعدها، هذا الرقم يحتاج لبيان تقسيماته بشكل مفصل عبر جدول توضيحي، بمعنى أن تقليل النفقات وترشيد الإنفاق استهدفت أية بنود؟!
والقول هنا إننا نجحنا في خفض النفقات بهذا القدر، يستدعي أن نتساءل أيضاً عن هذه المبالغ التي تم توفيرها، إذ ألم نكن قادرين في السابق على توفيرها؟!
حينما بدأت موجة التقشف وتقليل النفقات، كنا نقول إننا لو فكرنا في الموضوع منذ بداية عمل ديوان الرقابة المالية والإدارية وصدور التقارير التي تبين حالات الهدر المالي والتجاوزات الإدارية، لكنا وفرنا ملايين الدنانير.
مبعث القول هذا يأتي بناء على الأرقام الكبيرة التي كنا نقرأها عند صدور التقرير، وما كان يؤلم أكثر حينما ينشر بأن هناك تجاوزات أو قصوراً في الأداء أدى لهدر هنا وهناك، لأننا لسنا نتحدث عن أموال شخصية، بل هي أموال عامة ملك للدولة، وينبغي تصريفها على الوجه الأفضل لخدمة الناس وتحقيق أهداف القطاعات، وحينما تستغل بطريقة خاطئة، فإننا بالتالي نكون أهدرنا ميزانيات كان يفترض أن نبني بها ونعمر ونطور.
هناك فعاليات ومشروعات رصدت لها أموال ضخمة، وهناك أموال إضافية ضخت، وهناك بعض الأمور لم يكن لها داع، ووجودها لم يكن ضرورة ولا أولوية للمواطن، وللأسف استنزفت من خزينة الدولة الكثير.
في نسبة تقليل النفقات التي ذكرت، أعني الـ 30 ?، يا ترى كم منها كانت معنية بضبط عملية السفر والمشاركات الخارجية؟!
هذا البند بحد ذاته يحتاج لتدقيق عميق، ويحتاج لعملية جادة في الضبط، فوالله نعرف مسؤولين لفوا الدنيا على حساب الدولة بحجج المشاركة في فعاليات هنا وهناك، واجتماعات وغيرها، وطبعاً المصيبة الأخرى تحت بند «الإطلاع على تجارب الآخرين»، والله هناك مسؤولون لفوا الدنيا واستنزفوا ميزانيات على البدلات والمخصصات وتذاكر السفر، ولم يبق لهم إلا القمر وكواكب المجرة لزيارتها.
أجزم بأن كثيراً من النفقات التي وفرت معنية بهذا الجانب، هناك من المسؤولين من يسافر في مهمة عادية، أو اجتماع ما، ورغم ذلك لابد أن تكون معه «جوقته الخاصة» من الموظفين، وطبعاً مسؤولونا لا يعرفون الدرجة السياحية، لا في تقشف ولا غيره.
وهنا لسنا نتحدث انتقاصاً لهم، فبعضهم حريص على أموال الدولة، لكننا نقول إننا اليوم في مرحلة وجب فيها تحديد الأولويات في الصرف والإنفاق، وعليه فإن ما يدخل في جانب «الرفاهية» و«الفخفخة» الإدارية أمور يجب أن تتوقف.
نظرة سريعة على مكاتب بعض المسؤولين تجعلك تستغرب، أهذه مكاتب أم منتجعات؟! نقولها لأننا نعرف تماماً بأن الصرف على هذه الأمور من ميزانية الدولة وليست من الجيوب الخاصة، ولقناعة بأن المسؤول إن أراد أن يعمل أو ينتج فإنه لن يحتاج إلا لكرسي وطاولة وكمبيوتر، والبقية شكليات لا تهم. هذا لمن يريد أن يعمل وينتج.
عموماً، أمر إيجابي ما قرأناه بأن هناك تحركاً إيجابياً في اتجاه ضبط النفقات، رغم أن من تحدث عن النسبة تقرير لصندوق النقد العربي، وليس تقريراً صادراً عن الحكومة أو وزارة المالية، والأخيرة مازلنا نتمنى منها أن تنشر لنا جداول تبين لنا حجم الإنفاق والصرف «الزائد»، بمعنى الصرف الذي يمكننا الاستغناء عنه، وكذلك المعني بالسفرات ومخصصاتها، إضافة للصرف على الديكور والمكاتب والتأثيث.
الفكرة فيما نقول، إننا اليوم بالإمكان أن نخفف كثيراً عن كاهل ميزانية الدولة، هناك كثير من الأمور لو تم التدقيق عليها لأوقفنا عمليات الهدر، ولو حددنا الأولويات وركزناها على مخرجات العمل لا رغبات البشر، وأعني بهم المسؤولين والعاملين في القطاع، لما عانت ميزانية الدولة من مصروفات زائدة، ولما وجدنا مبالغ مبعثرة.
المهم في كل ما قلناه، أننا اليوم وبالأرقام أثبتنا بأن هناك قدرة على خفض النفقات في قطاعات الدولة، الأمر الذي يدفعنا للقول بأنه حينما تراود بعض المسؤولين أفكار بشأن التضييق على الناس وفرض مزيد من الرسوم عليهم، أو المساس بمكاسبهم ورواتبهم وتقاعدهم، عليهم أولاً أن ينظروا حولهم، ينظروا لقطاعاتهم وصرفهم وموازناتهم، وأن يطبقوا الخفض فيها قبل الناس.