لحد الآن لم تتضح معالم التعديلات التي ستطال قانون التقاعد، ومع ذلك سبق السيف العذل وتم البت في طلبات تقاعد بالجملة في معظم وزارات الدولة. كثيرون ممن حزموا أمرهم وحسموا قراراتهم لصالح التقاعد لن تتجاوز نسبة الراتب الذي سيحصلون عليه 60 % من راتبهم الأصلي. ولكنهم وجدوا أن تضحيتهم بخمس سنوات أو أكثر بقليل تتبقى لهم عن موعد التقاعد، الطبيعي، هي أفضل من أن يستمروا في الوظيفة أكثر من 15 سنة، حسب الكثير من الشائعات التي تفيد بأن سن التقاعد سيتم تمديده لسن 65 عاماً!!
ولم يعد الحديث مهماً عن التكهنات التي تطال التعديلات على قانون التقاعد، بل صار الأمر ملحاً للتنبه لتأثير التقاعدات بالجملة من الوزارات والمؤسسات الحكومية. فجميع التقاعدات، بطبيعة الأمر، تطال الخبرات المتوسطة والطويلة التي اتخذت قراراً مفاجئاً بالتقاعد. وربما لم تتخذ بعض مواقع العمل الحكومية احتياطات كافية لسد النواقص من الكفاءات، واستدراك الخلل في الخبرات الذي قد يقع نتيجة مغادرة تلك الكوادر بشكل جماعي مواقعها!! صحيح أن طلبات التقاعد الكثيرة ستوفر وظائف عديدة للعاطلين عن العمل خصوصاً من خريجي الجامعات الجدد. ولكن ماذا عن احتياج مواقع العمل الحكومية للكفاءات الجيدة والخبرات الطويلة؟ هل درست كل وزارة أو مؤسسة حكومية أعداد المتقدمين للتقاعد والمواقع الوظيفية التي يشغلونها ومستوى جودة أدائهم وإتقان إنجازهم؟ هل وضعت بدائل تحول دون تدني الأداء الحكومي نتيجة تقاعد كثير من الخبرات والكفاءات دفعة واحدة؟ العديد من الذين قابلتهم ممن حسموا قرارات تقاعدهم يمكنهم العمل لعشرة أعوام قادمة ولكنهم آثروا المغامرة وترك الوظيفة الحكومية بدل المغامرة والاستمرار فيها في ظل إشاعات غير مريحة عن آخر أيام العمر. وأغلب هؤلاء فاجئوني بتفاهمهم مع جهات عمل خاصة قدمت لهم عروضا مغرية للعمل كمستشارين أو مدربين برواتب جيدة، تسد الفارق بين الراتب الأصلي وراتب التقاعد. والبعض حصل على عروض في شركات استشارة وتدريب تقدم خدماتها للمؤسسات الخاصة والحكومية في البحرين وخارجها!! إنها ذات المشكلة تعيد إنتاج نفسها بأكثر من صورة وفي أكثر من سياق، فالكفاءة البحرينية لا تجد العناية التي تستحقها في القطاعات الحكومية، ولكنها بادرة جيدة أن يلتفت القطاع الخاص للكفاءات الوطنية ويعمل على تلقفها حال تحررها من الوظيفة الحكومية.