ليس هنالك في العالم اليوم من لا يشجع فريقاً أو منتخباً كروياً أوروبياً، فالساحرة المستديرة هي التي «جننت» كل الشعوب، وجعلتهم يهيمون بها ويهتمون بكل تفاصيلها الدقيقة وربما التافهة التي تخص حياة اللاعبين والأندية العريقة في أوروبا. ومما ساعد على انتشار هذا الوعي بأهمية متابعة كرة القدم العالمية هي وسائل الإعلام والاتصالات الحديثة، فدخلت مباريات كرة القدم العالمية حيز الاهتمام عند شريحة الشباب تحديداً حتى وصلت إلى كل منزل وغرفة نوم ومطبخ ومقهى.
أول ما قد تلتقي بالشاب العربي اليوم سيسألك هذا السؤال، هل أنت مدريدي أم برشلوني؟ وهل أنت من مؤيدي ليفربول أم مانشيستر يونايتد؟ وهل تشجع الأرجنتين أو البرازيل؟ فهذا الشغف اللامحدود بكرة القدم من طرف الصغار قبل الكبار ومن جهة الشباب قبل الصغار فتح أمام العالم آفاقاً كبيرة للإستثمار في الرياضة والشباب معاً، فأصبحت كرة القدم مصدراً حيوياً من مصادر الاقتصاد والدخل القومي عند الكثير من الدول المتقدمة، كما أن تلكم الدول استطاعت أن تستثمر كل الطاقات الشابة في مجال كرة القدم، فصنعت منهم نجوماً يجوبون المعمورة إمَّا لرفعة أسماء أوطانهم أو استخدامهم في صناعة المجد والقيم الإنسانية والأعمال الخيرية ناهيك عن جني الثروات وبناء اقتصادات متينة تقوم أساساً على لعبة كرة القدم أكثر من كل الصناعات الأخرى، فلا يوجد فرد على وجه المعمورة لا يعرف «رونالدو» أو «ميسي»، والفضل في ذلك يعود إلى استثمار الدول الكبرى لنجومها في كرة القدم لأجل الترويج لمشاريعها الرياضية والإنسانية والإقتصادية بشكل مذهل للغاية.
أصبحت الرياضة «صناعة» كما هي السينما وغيرها من المشاريع التي قد نعتبرها في وطننا العربي من المشاريع الثانوية وربما التافهة، لكن كرة القدم والكثير من الألعاب الأخرى في أوروبا والكثير من الدول المتقدمة أصبحت علامات فارقة في بناء الإنسان والأوطان، لكن عندنا، مازالت كرة القدم مجرد هواية عابرة أو مجرد لعبة رياضية لا تتجاوز ملاعبنا المهجورة أو في أحياءنا الشعبية بعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن على ظهورها، وذلك لأننا اعتدنا نحن العرب على عدم استثمار الأمور الصغيرة وتحويلها لمشاريع كبيرة، فيما عدا بعض الدول العربية القليلة التي استطاعت أن تتحول للعالمية في لعبة كرة القدم.
نتمنى نحن هنا في البحرين أن تتطور العقلية الإدارية التي تقبض مفاتيح لعبة كرة القدم بكل تفاصيلها وإمكانياتها لأجل استثمارها في مشاريع تنموية ورياضية كبيرة، كما من الضروري استغلال الإمكانيات الشابة في هذا المجال والاهتمام بالطاقات والمواهب الكروية التي ربما قد تعطينا أسماء لامعة في عالم كرة القدم، وهذا لا يكون بالأمنيات المجردة، بل يحتاج هذا الأمر لمجهودات وطنية جبارة وصادقة وجادة. فنحن نؤمن أن في مملكة البحرين الكثير من الطاقات الشبابية في هذا المجال يجب استثمارها في كرة القدم تحديداً، كما يجب أن نفتح الآفاق في هذه اللعبة لتحويلها من مجرد رياضة محلية إلى رياضة دولية في عالم الاحتراف. وهذا الأمر يتطلب أن نكون أكثر سخاء في أن نعطي هذه الرياضة الأكثر شعبية عبر العالم الكثير من المال والجهد والوقت، لنجني كل ما يمكن أن يرفع سمعة هذا الوطن في المحافل الدولية والعالمية.
نحن نؤكد أن هنالك اهتماماً رسمياً بحرينياً للكثير من الألعاب الرياضية الأخرى من طرف الجهات المعنية بشؤون الرياضة في مملكة البحرين، وهذا الأمر يحسب لها بشكل صارخ، لكننا لا يمكن أن نقول هذا الأمر في كرة القدم المحلية التي لم تحصل على الفسحة المطلوبة لأن تكون الرياضة «رقم واحد» في البحرين، على الرغم من أنها تعتبر كل الأرقام في عالم الرياضة الحديثة. هذا الأمر يتطلب من الجهات المعنية أن تقوم بعملٍ كبيرٍ للغاية نتمنى أن يقوموا بالبدء فيه من هذه اللحظة فعسى أن يأتي ثماره بعد عقد من الزمان أو أكثر، فالمقدمات كبيرة والعمل شاق ومضنٍ لكنه عظيم.