المؤتمر الخليجي الاستراتيجي الثاني الذي استضافته البحرين مؤخراً والذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»، استحوذت جلساته التي عقدت على مدى يومين، وبشكل واضح، على التدخلات الإيرانية في الشأن العربي، تحقيقاً لأجنداتها الطائفية و»هوسها» الكبير في السيطرة والتحكم في المنطقة.
والملفت للانتباه أن المشاركين في المؤتمر تقاربت وجهات نظرهم كثيراً بشأن تعاظم الدور الإيراني في المنطقة، وتحديداً بعد الاتفاق النووي مع دول «5+1»، وهو ما دفع الباحثين والمشاركين في المؤتمر إلى دعوتهم دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعزيز تحالفاتها واستخدام عدة خيارات لردع إيران من الاستمرار ببرامجها على مختلف الأصعدة، خاصة وأن إيران لها أطماع تحاول تحقيقها بعد الاتفاق النووي، مشددين على أنها تدعم الجماعات الإرهابية في الوطن العربي وتحاول تصدير الأزمات لدول الجوار.
إيران بعد الاتفاق النووي، أصبحت تشكل تهديداً أكبر من أي وقت مضى، حيث أصبحت تلعب «على المكشوف» في المشهد العربي، ولا تتوارى صراحة عن بيان أفعالها، بل أن أسلوب «التقية» لم نجد له وجود في تعاملها مع الأحداث في المنطقة، كما هو الحال في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وهذه الأخيرة أصبحت «تجربة إيران» للتحكم في المنطقة نتيجة الثقة التي حصلت عليها طهران بعد الاتفاق، وهذا هو رأي «ديمير موارت سيري» من المؤسسة الأوروبية للديمقراطية في بلجيكا وأحد المشاركين في المؤتمر.
إن الاتفاق النووي أصبح مؤشراً جديداً لتغير معادلة الأمن والاستقرار الإقليمي، حيث أدى الاتفاق إلى دخول دول الخليج العربي في مرحلة جديدة من التحدي والصراع مع إيران وعلى نطاق أوسع من السابق، ولا ننسى هنا الدور الأمريكي الذي مهد الطريق للاتفاق، والذي جعل منها ما هي عليه الآن من تهديد أكبر لدول الخليج العربي وللعرب كافة.
مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة د.أشرف كشك، تطرق خلال المؤتمر، إلى امتلاك إيران للسلاح النووي معتبراً أن «تحقيق ذلك الأمر ليس ببعيد»، مؤكداً أن «الحديث عن الأمن الإقليمي سينتهي حال امتلاك إيران للسلاح النووي إذ ستسعى طهران لفرض رؤاها في المنطقة، وستكرس الخلل في توازن القوى».
إن تلك الاعتقادات أو التوقعات تؤشر إلى وضع خطير جداً بالنسبة لأمن المنطقة واستقرارها، كما إن الاتفاق النووي لا يجعلنا نشك في النوايا الإيرانية التي نعرفها سلفاً، ولكن التشكيك هنا بالسياسة الأمريكية التي دفعت لإبرام الاتفاق الذي لم يجلب الخير أبداً للمنطقة وجعلها مرتبكة، واكد ذلك المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج في الكويت د.ظافر العجمي، عندما قال في المؤتمر «إن هناك ارتباكاً في دول الخليج بعد اتفاق «5+1»، كونه لا يوجد أي باب خلفي، بل ترك الولايات المتحدة الأمريكية لتلعب بالمنطقة».
ومن هنا يمكن القول وبصراحة إن الدور الإيراني في اللعب على وتر الطائفية، وتدخلاتها في الشأن العربي لن يتوقف، بل ستستمر إيران في محاولاتها لبسط نفوذها، فهي كما يقول «بيتروس هندريكس» من معهد هولندا للعلاقات الدولية في مشاركته بالمؤتمر «إيران تريد بسط نفوذها خارج حدودها لدى المجتمعات الشيعية، مستغلة ادعاءات المظلومية سواء أكانت حقيقية أم لا، وإيران ستستمر في دعم «حزب الله» ونظام بشار الأسد والحكومة العراقية، وستقوم بكل ما يمكنها لمنع وصول نظام سني إلى الحكم في العراق».
إن المؤتمر الخليجي الاستراتيجي الثاني كان بمثابة رسالة تحذير لدول الخليج العربي من الإرهاب الذي تعد إيران طرفاً رئيساً فيه، وعانت منه – ولاتزال – دولنا الخليجية، ولقد كشف أغلب المشاركين ما هو معروف لدول الخليج العربي، ووفق أسس علمية ودراسات أكاديمية قدمها خبراء دوليون ومختصون عالميون، وينبغي هنا استفادة دول المنطقة من تلك الدراسات والمحاور لرسم ملامح لمستقبل أكثر أمناً واستقراراً وبما يحقق مصالح الخليج العربي ويحد من الدور الإيراني في الشرق الأوسط.