التعديلات على قانون الجمعيات السياسية هو من اختصاص مجلسي النواب والشورى، وإقرارها من المجلسين لا بد أنه تم ويتم بعد مناقشات مستفيضة، ومعرفة إيجابيات تلك التعديلات وسلبياتها، حاضراً ومستقبلاً، فمثل هذه التعديلات على القانون تحتاج إلى الكثير من الدقة والانتباه حيث يمكن لعبارة أو كلمة واحدة أن توجد ثغرة يستفيد منها من هو ضد التعديل وإن بعد حين.
من دون الدخول في التفاصيل، يمكن القول إنه من حيث المنطق فإن دور رجال الدين يختلف عن دور رجال السياسة، وإن الجمع بين الدورين خطأ، لأنه ببساطة يدفع رجل الدين إلى استغلال المنبر الذي يعتليه لخدمة أفكاره وأهدافه السياسية وتوجهات الجمعية السياسية التي ينتمي إليها، ويبعده عن مهمته الأساسية التي تتمثل في النصح والإرشاد وتعليم الناس ما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.
دخول رجال الدين في مساحة السياسيين خطأ، تماما مثلما أن دخول رجال السياسة في مساحة الدينيين خطأ، ولكن هل يمكن من الناحية العملية منع رجال الدين من الحديث في السياسة مثلما يمكن منعهم من الانتماء إلى الجمعيات السياسية الذي هو وارد وممكن بقانون؟ هل يمكن ذلك فعلاً؟ الجواب المنطقي والواقعي هو بالسلب، فرجل الدين يمكنه تمرير الكثير مما يريد من على المنبر من دون أن يتمكن أحد من أن يثبت عليه أنه حول المنبر الذي يعتليه إلى منبر سياسي، وهو أمر لا يحتاج إلى ذكاء كثير، كما أن بإمكانه أن يلتقي خارج المنبر بمن يشاء ويوصل ما يريد إلى من يريد.
هذه إشكالية ينبغي الانتباه إليها جيدا، ذلك أن الفصل بين الدين والسياسة عمليا لا يمكن أن يتم بقانون خصوصا وأن رجل الدين في البحرين متغلغل في نفوس جمهوره، وإلا لما وصل إلى حالة التقديس التي صار يعتبر فيها الفرد موته دفاعا عنه ضامنا لدخول الجنة. الجمهور الذي يقدس رجل الدين سيسمع منه وينفذ كل ما يريد، ولن تعوزه الوسيلة لفهم ما يريده رجل الدين منه، تماما مثلما أنه لن تعوز رجل الدين الوسيلة لتوصيل أفكاره من على المنبر أو من خارجه، فالدين مليء بالقصص التي يسهل توظيفها لتوصيل الأفكار والتوجيهات ويصعب اعتبارها دليلاً على التحريض، واللغة العربية ثرية ومطواعة.
هذا كلام الواقع، يؤكده توفر كل هذا الكم من وسائل التواصل بين البشر، والتي يمكن لرجال الدين استغلالها والاستفادة منها في توصيل رسائلهم وتوجيهاتهم، لكن كل هذا لا يمنع أبدا من تعديل القانون للسيطرة على هذا الوضع بعد تبين الدور السالب لبعض رجال الدين، وتأثيرهم المؤدي إلى إعاقة كثير من الحلول التي يتم طرحها، بل وتحكمهم في كثير من رجال السياسة والجمعيات السياسية إلى الحد الذي سلبوا منهم دورهم.
الموضوع ليس بسيطاً، والتحكم فيه بقانون مسألة غير مضمونة النتائج، والطبيعي هو أن رجال الدين سيتجهون إلى العمل تحت الأرض، وهو أمر أخطر من عملهم فوق الأرض، ومن المهم في حال كهذه الانتباه أيضاً إلى أن التواصل بين رجال الدين الذين استهواهم العمل السياسي ليس مقتصراً على الداخل، فهناك تواصل أكيد بين رجال الدين في العراق وإيران ولبنان ورجال الدين في البحرين وفي مختلف دول مجلس التعاون، وهو ما يعني أن العمل السري سيكون أخطر من العمل الجهري عبر المنبر الديني.
نحن أمام مسألة خطيرة بالفعل، ولكن كل هذا لا يعني التوقف عن إجراء التعديلات التي يمكن أن تحد من تدخل رجال الدين في العمل السياسي وتقلل من تأثيرهم، حيث السكوت أيضاً له آثار سلبية أكبر.