كلما قرب مسيرنا من الوصول إلى واحة رمضان، كلما هلت بشائر الخير على نفوسنا الظامئة.. فمع المسير الشاق في دروب الحياة، تتحين النفس الفرص السانحة حتى تلتقط أنفاسها وتجدد حياتها وتراجع حساباتها، وتغير من أسلوب معاملاتها.. وما أروع هذه المحطة التي نصل إليها مرة في العام، ثم نتركها لنمارس حياة الكد والتعب والنصب.. ما أروع هذه المحطة التي تعطينا بوارق الأمل من أجل أن نكون ذلك الصانع الماهر الحاذق لمهنته في الحياة، والذي اعتاد أن يتدرب كل عام في هذه الواحة الجميلة البعيدة عن زخارف الحياة وضغوطات الأيام وصخب العيش.. ما أجمل هذه الواحة التي تزف إلينا بشارات الرحمة والمغفرة والأجور المضاعفة، وتحف أرواحنا بنسائم المحبة والسعادة والطمأنينة وسكون النفس.. ما أجملك يا رمضان وما أجمل أيامك ولياليك ولحظاتك التي ما إن تهل علينا، وإلا وقد تسارعت للمغيب في ذلك الأفق البعيد.. نتسارع شوقا لأيامك.. ونرفع كفوف الضراعة أن نصل سالمين في مسيرنا إليك.. نرفع كفوف الضراعة أن نصل ونحن نلبس ثوب الصحة والعافية، وأن يبلغنا احتضان أيامك واستغلال لحظاتك.. دمعة حب لك يا رمضان.. لأنك من علمتنا أن الحياة قصيرة وأنفاسها محدودة.. دمعة حب لك.. فأنت من نشتاق إلى أيامك وإلى غفران الذنوب في واحاتك.. ونتسارع لبلوغ تلك الليلة الجميلة التي هي من أعظم ليالي العام.. دمعات حب نسكبها من أجل أن نعيد حياتنا إلى صوابها، ونكون في واحتك من الفائزين.. فيارب بلغنا شهر الخير..
قبل دخول الشهر الفضيل افرح بإقباله وانشر السرور بين أهلك وذريتك ومحبيك، فالفرح به من علامات الخير والهداية، قال تعالى: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون».. وعليك بتطهير النفس من أدران الدنيا ومشاحناتها، وعد إلى المولى الحكيم بقلب محب للخير مشتاق للأجر، متطلع لعظيم الأثر.. اصحب الدعاء معك في كل لحظة بأن يبلغك المولى العليم تلك الليالي المباركات، وأن يعينك فيها على الصيام والقيام وأداء الطاعات.. اشحذ همتك حتى يكون رمضان هذا العام «واحة تغيير» وتصحيح لمسارك وتعميق لإيمانك.. يقول المولى عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات..». فهي فرصة للتوبة الصادقة التي تجعلك تبصر صورتك النهائية قبل الرحيل من الدنيا!!
لنعد العدة ليكون رمضان هذا العام صفحة جديدة، وميلاد جديد لأعمارنا، وتغيير شامل لكل مناحي حياتنا.. فرمضان فرصة لا تتكرر أبدا.. لنعد العدة ليكون مشروع حياة جديدة وتغيير شامل.. فمن غير المعقول أن تتساوى أيام حياتنا كما هي بلا تغيير ولا تجديد، ومن غير المعقول أن يكون رمضان كسائر الأيام، فيقبل علينا وينصرف بلا اهتمام ويكون حظنا فيه التعب والنصب من الصيام!! المشروع بحاجة إلى أن نفهم العبادة بمفهومها الشامل ونحول كل حركاتنا وسكناتنا إلى نية تبتغي الأجر والمثوبة، حتى لا تضيع علينا الفرصة تلو الفرصة دون أن نحصد من ورائها الأجور.
قبل الولوج إلى واحة هذا الشهر، يجدر أن نتحرى مواطن الأجور فيه، حتى لا يتحول تركيزنا إلى غفلة ونسيان وسرحان وسآمة وكسل، فنؤدي العبادات كما هي دون جد واجتهاد!! ورد في الصحيحين عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله» صحيح الجامع.
اقتربت صور الذكريات الجميلة لأحباب رحلوا عنا بعد أن تذوقنا معهم مذاق الخير في شهر الخير.. كلما اقترب رمضان كلما اقتربت ذكرياتهم وكلما اشتقنا إلى جلساتهم.. هي صور الذكريات الجميلة التي تبقى في الأذهان، ونسأل المولى الديان أن يكون ثمرتها التلاقي في أعلى الجنان.. وكلما اقترب رمضان كلما اشتاقت نفوسنا لتلك الجلسات العائلية الجميلة التي نظفر بها بأجر صلة الأرحام.. وكلمات اشتقنا لتلك الجلسات الإيمانية الجميلة مع أحبابنا في الله.. الذين يتهافتون إليها من أجل أن يظفروا بأجر صحبة الأخيار الذين يذكرونهم بالله كلما فتروا.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله: إذا دعوت الله أن يبلغك رمضان، فلا تنسى أن تدعوه أن يبارك لك فيه، فليس الشأن في بلوغه، إنما الشأن في ماذا ستعمل فيه. فمع دعائك أن يبلغك المولى الحكيم رمضان كما كان يفعل السلف، سله تعالى أن يبارك لك فيه، فلا تحرم فيه من العبادة والتركيز في الطاعة، وأن يرزقك الصحة والعافية.
* همسة:
لقراءة القرآن شأن خاص في رمضان.. احرص أن يكون مشروعك الناجح لإعمار قلبك وسد ثغرات تقصيرك.