«لا يوجد دين وهابي وشافعي وجعفري وحنبلي ومالكي.. ولا سني ولا شيعي. الدين واحد هو الإسلام.. وتلك وغيرها أسماء لمذاهب تنسب إلى أئمة في العلم والدين». هكذا يقول العلامة السيد علي الأمين، وهو قول رائع يؤكد حقيقة ينبغي من الجميع وخصوصاً المسلمين أن يعوها جيداً، فالدين واحد وتلك ليست إلا أسماء تنسب إلى علماء استفاد كل منهم من المساحة المتاحة للفهم والتفسير وإصدار الفتاوى والأحكام. هذا يعني في صيغة أخرى أن الاختلاف الحاصل بين هذه المذاهب ليس في الأصل والأساس، وإنما في اختلاف الزوايا التي نظر كل واحد من أولئك الذين سميت المذاهب بأسمائهم منها إلى الأمور، وبما أن قدرات ومدارك وخبرات كل واحد منهم تختلف بطبيعة الحال عن الآخرين، لذا فإن من الطبيعي أن يكون فهمه ومن ثم تفسيره للأمور مختلفاً، لكنهم جميعاً لا يختلفون في الأساس.
لو أن المسلمين جميعاً وضعوا هذه الحقيقة في الاعتبار لما وصلوا إلى هذه الحال التي صار يكفر فيها بعضهم بعضاً بسهولة، ويحكم كل واحد منهم على الآخر بسهولة أيضاً بأنه من أهل النار. ترى ما المشكلة في اختلاف الفهم والتفسير وفي اختلاف الزاوية التي ينظر منها كل عالم من أولئك أو غيرهم إلى الأمور طالما أن الأساس متوفر ولا يمكن تجاوزه؟ ألا يكفي أن يكون الرب واحداً والدين واحداً والقرآن واحداً؟ ألا يكفي أن يتجه الجميع في صلاتهم إلى قبلة واحدة ويصلون العدد نفسه من الصلوات اليومية؟ ألا يكفي أن يصوموا معاً شهراً واحداً هو شهر رمضان؟ ألا يكفي أن يحجوا جميعاً إلى بيت الله الحرام في وقت واحد ويؤدوا المناسك نفسها؟ ألا يكفي كل هذا؟ وقبله ألا يكفي أن الجميع يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟
هذا هو كلام العقل والمنطق، وما عداه هو الكلام البعيد عن العقل والمنطق، من هنا فإن على أصحاب العقل والمنطق أن يعملوا معاً على بيان هذه الحقيقة كونها مفتاحاً مهماً يمكن أن يعين الأمة الإسلامية على الخروج من مأزق كبير أدى بها إلى التناحر طويلاً وقلل من شأنها بين الأمم فاستطيل عليها.
عندما يكون الاختلاف في التفاصيل وليس في الأساس فإن هذا يعني أنه لا توجد مشكلة من الأساس، لكن عندما نعتبر التفاصيل هي الأساس فإن من الطبيعي أن ندخل في مشكلات لا تنتهي، ونصل من ثم إلى ما وصلنا إليه من حال، يكفر بعضنا بعضاً ونتقاتل من منطلق أن كل فريق منا وحده الذي يمتلك الحقيقة كاملة وأن المخالفين له جميعهم لا يفهمون ولا يدركون ومصيرهم هو النار التي وقودها الناس والحجارة.
الأمة الإسلامية اليوم في حاجة إلى علماء دين من شاكلة ووزن السيد علي الأمين ليبينوا للمسلمين أنهم أمة واحدة يعبدون رباً واحداً وأن دينهم هو الإسلام وأن عليهم أن يقفوا معاً في وجه كل من يريد بهم السوء، وينتبهوا إلى كل ما يحاك ضدهم، ويتكتلوا ضد كل من يريد أن يحتال عليهم، فيمنعوه من استغلال اختلاف وجهات نظر علمائهم وفهمهم للدين. ورغم أن مهمتهم هذه ليست سهلة بل صعبة جداً ومعقدة، ولا يستبعد أن يتعرضوا بسببها إلى الأذى وصولاً إلى تكفيرهم، إلا أن الواجب يحتم عليهم أن يعملوا معاً، ويواجهوا كل هذا الذي يحدث ويشتت الأمة ويضعفها ويسيء إلى الدين الإسلامي الحنيف.
المذاهب تتعدد وتختلف لأن من سميت بأسمائهم كانت خبراتهم وقدراتهم ومداركهم مختلفة وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون فهمهم للدين مختلفاً وأحكامهم مختلفة. الاختلاف ليس أمراً سيئاً فهو رحمة.