تسهم مراكز الأبحاث في نشر الوعي الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي وكذلك ما يتعلق بالقضايا والعلاقات الدولية. ومن متابعتي أجد ثمة مراكز متعددة في المنطقة العربية لديها نشاط واسع ومكثف، وأشير بوجه خاص لمركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام، ومركز الخليج للدراسات الاستراتيجية الذي يترأسه الدكتور عمر الحسن، والذي أصدر عدة مجلدات ويحدثها سنوياً وهي باللغتين العربية والإنجليزية، ومنها مجلد عن الأعمال الإرهابية في البحرين من 2011 إلى 2015، ومجلد عن التدخلات الإيرانية في البحرين لنفس الفترة، فضلاً عن عشرات الدراسات والتقارير المنشورة في قضايا إقليمية ودولية، وهذا شيء جدير بالإشادة.
كما أشير إلى مركز البحرين للدراسات والبحوث الذي أنشأه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، عندما كان ولياً للعهد، واستمر المركز ثلاثين عاماً حتى تم إلغاؤه عام 2010، وأصدر المركز عشرات الكتب، وعقد عشرات الندوات واكتسب سمعة عالمية في مجال البحث العلمي واستطلاعات الرأي العام والتحليلات الاستراتيجية للقضايا الوطنية البحرينية والخليجية والدولية، وأصدر تقريراً استراتيجياً باللغتين العربية والإنجليزية، كما أصدر مجلة بعنوان «الدراسات الاستراتيجية»، وحل مكانه مركز البحرين الدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» الذي انطلق منذ عام 2009 ومازال قائماً وهو يصدر مجلة «دراسات»، ويعقد ندوات وأصدر بعض الدراسات والتحليلات القيمة.
هناك «مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية»، وكذلك مركز «دراسات خليجية» في جامعة الكويت وقطر، وهناك مركز دراسات مهم هو «مركز الخليج للبحوث»، الذي يترأسه الدكتور عبدالعزيز بن صقر، ويصدر مجلة شهرية تستكتب شخصيات مهمة وفي كل عدد يخصصه لمحور من محاور السياسة الدولية أو الدول الإقليمية أو القضايا العربية بنظرات مستقبلية. ما أريد التأكيد عليه هنا هو أن مراكز الأبحاث والتحليلات أصبحت هي المرجع الحقيقي لصاحب القرار في الدول المتقدمة، فهي تقدم رؤية مختلفة عن رؤى المؤسسات والأجهزة الحكومية، فعلى سبيل المثال المراكز الأمريكية العديدة اضطلعت بمهمة الترويج للفكر السياسي الأمريكي في نشر الديمقراطية والترويج لخطط السياسة الأمريكية، حول ما أطلق عليه تنظيمات إسلامية معتدلة لتحل مكان النظم التي وصفت بالديكتاتورية في العديد من دول الشرق الأوسط، ونشر فكرة الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة وغيرها من المفاهيم الأمريكية.
بينما مراكز الدراسات الإسرائيلية تروج للفكر الإسرائيلي التوسعي، وتقدم تحليلات للكثير من القضايا الإقليمية والدولية وتمارس المهنية في تحليلاتها، وهي مهنية تخدم صاحب القرار الإسرائيلي، وأيضاً تخترق مراكز الأبحاث الأمريكية والدولية التي تعتمد على خبراء من دول عديدة من ذوي الكفاءات والخبرة وتستخدمهم أداة للدبلوماسية التي يطلق عليها دبلوماسية المسار الثاني وهو مسار يهيئ الطريق للدبلوماسية الرسمية.
إيران بدورها لم تتخلف عن الاهتمام بمراكز الأبحاث، فلديها العشرات من هذه المراكز وثيقة الصلة بوزارة الخارجية، وتسير على ضوء توجهاتها السياسية بوجه عام، وكل منها يتخصص في منطقة وبعضها يتخصص في قضايا معينة ويروج لها، على سبيل المثال مثل مركز الدراسات العربية في إيران، الذي يترأسه محمد صالح صدقيان، وهو مركز إيراني وليس عربياً ولا أدري سر اختيار الاسم بهذه الطريقة، وتلجأ إليه العديد من الإذاعات والفضائيات للتعليق على الأحداث الخاصة بإيران، ويتحدث اللغة العربية بفصاحة. وتركيا أيضاً لديها عدة مراكز بحثية وتعقد ندوات ومؤتمرات عديدة. بالطبع الدول الكبرى مثل الصين وروسيا والهند وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لديها مراكز متخصصة.
«مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية» يتميز عن كثير من تلك المراكز البحثية بثلاثة أمور، أولها أن رئيسه الدكتور عمر الحسن هو من المثقفين والمتابعين باستمرار للتطورات، ومن المتحدثين في الإذاعة البريطانية والمعقبين على كثير من الأحداث أي أن لديه قدرة على التحدث والتحاور مع الآخر، والثاني، أن المركز لديه عدة إصدارات متنوعة في السياسة والاقتصاد والإرهاب والتطور السياسي في الدول موضع الاهتمام ونحو ذلك، والثالث، أن لديه قدرة فريدة على تسويق إنتاجه كدراسات تنشر في الصحف أو كمؤلفات موثقة توزع على جهات مختلفة وفقاً لطبيعة الإنتاج، وليس مثل مراكز كثيرة تصدر إنتاجاً ولا يسمع بها أحد.
لكن ما يهمني أن أشير إليه هو عدم التنسيق الكافي بين مراكز الأبحاث العربية والخليجية، وهذا ما يستدعي مبادرة جادة من بعض تلك المراكز. كما يستلزم الأمر اهتماماً من دول الخليج بالقضايا والدول التي تمثل لها تهديداً أمنياً كما هو الحال بالنسبة لمملكة البحرين مع دول معينة.