تعتبر الضغوط الخارجية من أهم الأسباب التي تؤدي لإصدار قرارات وخطوات إصلاحية في العديد من دول العالم النامي، ومنها بعض الدول العربية، إلا أنها تختلف من دولة إلى أخرى، وبالتالي فإن الدول العربية تواجه ضغوطاً للأسف ليست من الداخل بقدر ما هي من الخارج مثل الضغوظ الخارجية التي تمارسها بعض الدول كأمريكا، من أجل خلق إصلاحات سياسية تريدها داخل أوطاننا.
وفي هذا السياق يقول الدكتور محمد سعد أبو عامود المتخصص في كتابة محددات مستقبل الإصلاح السياسي في الدول العربية «منذ أحداث سبتمبر 2001 أصبحت الضغوط الأمريكية مصدراً مهماً لضغوط البيئة الدولية التي تتعرض لها الدول النامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، وذلك على وجه الدقة بعد تلك الأحداث، والتي فسرتها الإدارة الأمريكية بأنها ناتجة عن غياب الديمقراطية في الدول العربية، الأمر الذي أدى إلى ازدهار ثقافة العنف وسياسة الإرهاب في المجتمعات العربية وأن الأوضاع الداخلية في هذه الدول تفتقد للديمقراطية مما أدى إلى ظهور أفكار وتيارات متطرفة تستخدم العنف كوسيلة لنشر أفكارها داخل مجتمعاتنا وضد المجتمع الغربي، نظراً لشعورها تجاهه بالعداء لمساندته النظم السلطوية مما يبرز عملية الضغط على النظم العربية من أجل القيام بعملية الإصلاح السياسي وقد تعددت المبادرات التي قدمتها الإدارة الأمريكية ومنها مبادرة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول والتي تتمحور في إنشاء أنظمة ديمقراطية».
ويستكمل ذلك، الدكتور عيسى عبدالباقي رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام في جامعة بني سويف، في كتابه «الصحافة والإصلاح السياسي»، حيث أكد أن «الولايات المتحدة الأمريكية تحركت للعمل على خريطة طريق إذ أعلن الرئيس جورج بوش الابن بتاريخ 26 فبراير 2003 في معهد أمريكان انتربرايز عزم واشطن على إعادة رسم خارطة المنطقة والعمل على نشر الديمقراطية وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة بالمنطقة، الأمر الذي أدى للاعلان عن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على فرضية أنه طالما تزايد عدد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة فإنها ستشهد المزيد من التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة».
ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت بعض الشيء في مشروعها الإصلاحي «التدميري» في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لها، ولكن كلفنا ذلك للأسف الملايين من الأرواح، وتأكيداً على النجاح الأمريكي في رسم خارطة الشرق الأوسط هو حينما أعلن مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه في 28 أكتوبر 2015 في واشنطن خلال مؤتمر حول الاستخبارات أن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة»، مؤكداً أن دولاً مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبداً حدودها السابقة. وبالتالي فإن الولايات المتحدة ومنذ 2001 خططت ليكون الشرق الأوسط عالماً كبيراً من الفوضى تتخلله مجموعة من التدخلات التي من شأنها أن تحقق أهدافها المرجوة بالمنطقة، ونتيجة لذلك حسب رؤية الإدارة الأمريكية فإن هذا الأمر سيبعد عنها وعن الدول الغربية قدر المستطاع الجماعات الإرهابية المتطرفة، إلا أن الواقع أن المخطط جاء ممنهجاً وواضحاً بأنه سيكون التدخل الأساسي هو بالأنظمة السياسية للدول، وذلك لكي تبدأ على أساسها الفوضى، خاصة أن «الربيع العربي» الذي حصدت أحداثه الأرواح جعلته فرصة ثمينة لزيادة وتيرة التدخلات، لا سيما أن هذه التدخلات يتبعها مجموعة من المغريات وعلى رأسها دعم الجماعات المتطرفة التي خلقت هذه الفوضى تحت مسمى جماعات إصلاحية وطنية وهي بالواقع جماعات تقع على عاتقها زيادة وتيرة التجاذبات السياسية وحصد الأرواح وإضعاف الدول وتحقيق الهدف الأساسي وهو إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط.
ولرؤية ذلك بزاوية أو بنطاق أوسع فإن الخريطة الجديدة للشرق الأوسط قد شارفت على نهايتها، حيث إنها لم تحقق كل أهدافها ولكن حققت الجزء الكبير منها في سوريا والعراق والسودان وغيرها من الدول التي تشهد اضطرابات سياسية، ولكن اليقظة الخليجية لعبت دوراً مهماً في التصدي لهذا المخطط، وخاصة بالمملكة العربية السعودية التي بادرت وعملت على أن يكون هذا المخطط مجرد حبراً على ورق في الخليج العربي، من خلال توحيد الصف الخليجي تجاه جميع القضايا وإيجاد أرضية مشتركة للمشاريع الدفاعية والعسكرية بالمنطقة.
فواشنطن عندما أعلنت عن مشروع الشرق الأوسط الكبير كانت تدرك أن هذا الأمر لم يكن من السهل تحقيقه، ولكنها لم تدرك أن العمق الاستراتيجي والعلاقات المترابطة بين دول الخليج العربي لا يمكن اختراقها مهما تكلفت من ضغوطات، وبالتالي فإن الإصلاحات السياسية التي جاءت بضغوط أمريكية والتي نادت بها واشنطن في منطقة الشرق الأوسط سقطت بسببها أرواح، ودمرت مدن بكاملها، وجعلت من كلمة إصلاح سياسي مرادفة لكلمة دمار سياسي للشعوب العربية، فأمريكا لا تبحث اليوم عن أي إصلاحات في المنطقة، فهي تبحث عن الطريق لإنجاح مشروعها التدميري وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير.