كلنا يعلم أهمية حركة التخطيط في بناء المدن على اختلاف أحجامها وأشكالها ومواقعها، فلا يمكن في هذا العصر أن تُبنى مدينة من دون أن تكون في سلم التخطيط العمراني أو الحضري، وإلا أصبحت هذه المدن مصنفة في إطار المدن العشوائية.
لتوضيح الفكرة بشكل أفضل يمكننا الرجوع إلى تعريف التخطيط الحضري للوقوف على طبيعة ما نود أن نقوله هنا. عرف بعضهم التخطيط الحضري على أنه «محاولة تهيئة المناخ الذي يسمح للتجمعات بإيجاد الوسائل الضرورية لتحقيق إطار معيشي ملاءمة لسكانها تتوفر فيه أسباب الراحة والرفاهية داخل المدن». كما عرف بعضهم التخطيط «الحضري المستدام» بأنه «عبارة عن تطبيق لنظريات الاستدامة والمرونة في تصميم إدارة وتشغيل المجتمعات الحضرية».
هذه التعريفات العلمية قد تقودنا إلى الفكرة ذاتها التي نود الإشارة إليها في هذا المقال، مع طرح أبرز النماذج في البحرين لتعزيزها، حيث يمكننا من خلال هذه التعريفات الوقوف على بعض الأخطاء الاستراتيجية في عملية التخطيط العمراني والحضري المستدام، فحين نستخدم بعض التعريفات كمسطرة وبوصلة لمعرفة سلامة تصاميم المدن في البحرين، سنكتشف وجود بعض العيوب في التخطيط الخاص بالمدن الجديدة، مما يعني أن هنالك حلقات مفقودة في وعي الجهات التي تشرف على هذا الفكر الهندسي.
لا توجد مدينة أكثر من «سلماباد» كنموذجٍ حي على هذا التخبط العمراني والحضري في البحرين، فاليوم لا يمكننا تصنيف هذه المدينة المتشابكة والمتداخلة، وهل هي مدينة سكنية أم تجارية أم صناعية أم هي مدينة «كوكتيل»، وهذا الذي يبدو لو قمنا بجولة في ضواحيها.
في «سلماباد المثال»، تتقاطع المنازل والمتاجر والكراجات والمصانع والورش والمدارس والشقق السكنية، فكل ما تريد أن تشاهده أو تلمسه في هذه المدينة الصغيرة جداً ستجده ماثلاً أمام عينيك، ومن هنا سيكون تصنيف هذه المدينة حسب نوعية التخطيط المعمول به في دول العالم من أصعب التصنيفات، فهي على صغر حجمها ليست صناعية بحتة كما أنها ليست سكنية وليست تعليمية وكذلك ليست تجارية خالصة، وإنما هي مزيج من كل بحر قطرة.
حين تجدون الفوضى العارمة هي الحاكمة داخل هذه المنطقة فتأكدوا أن لا علاقة للتخطيط وهذه المدينة، ومع إنشاء مشاريع سكنية إضافية ضخمة على تخوم المنطقة الصناعية فيها، سنتعرف على حجم الكارثة بصورة أوضح.
اليوم لا يمكنك الدخول بسهولة إلى منطقة سلماباد، وسيكون الخروج منها لا يقل صعوبة عن دخولها، أمَّا الأهالي الذين يقطنون هذه المنطقة فإنهم ما زالوا يعانون الأمرِّين في معايشة هذا الوضع المربك، حيث بدأت المصانع والورش تزحف نحو المنازل، كما بدأت المنازل تجاور الكراجات، وبين هذين الزحفين تختفي معالم هذه المدينة، كما يُستعصى على أكبر المهندسين في العالم أن يقوموا بتصنيف هذه البقعة من الأرض وهل هي منطقة صناعية أم سكنية أم أنها شيء جديد لا يمكن أن نسميه!
نرجو من المسؤولين والمختصين بتخطيط المدن في البحرين إعادة النظر في ترتيب هذه المدينة بشكل أفضل، وإن كان الأمر بات شبه مستحيل بعد أن وقع «الفأس في الرأس»، لكن ربما تكون هنالك بعض الحلول للخروج بأقل الأضرار من هذه الفوضى العارمة.