ربما أعطت تصريحات مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا بطريقة غير مباشرة الضوء الأخضر لنظام الرئيس بشار الأسد وروسيا لارتكاب مجازر في حلب شمال البلاد، وسط صمت مطبق من المجتمع الدولي، عندما شن هجوماً على وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية، بعد انسحابها من المباحثات غير المباشرة مع النظام في جنيف مؤخراً، واصفاً الخطوة من جهته بأنها «استعراض دبلوماسي»، بينما لم يكن ذلك الإجراء سوى وسيلة ضغط على النظام لوقف المذابح والانتهاكات التي يرتكبها ضد المدنيين، ما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني، ووسيلة احتجاج على استمرار النظام في انتهاك الهدنة الأولى التي تم التوافق عليها بين واشنطن وموسكو في 27 فبراير الماضي، في وقت لم تحقق مفاوضات دي ميستورا أي اختراق أو تقدم خاصة مع فشل التوصل لاتفاق حول هيئة الحكم الانتقالي ومصير الأسد خلال المرحلة الانتقالية، في وقت تتصاعد فيه الهجمات الشرسة من قوات الأسد والميليشيات بدعم روسي ضد المدنيين خاصة في معاقل المعارضة.
ويبدو أن نظام الأسد وموسكو يعاقبان «الهيئة» على انسحابها من مفاوضات جنيف بارتكاب مجازر في حلب التي لا يزال يعيش فيها قرابة 1.5 مليون شخص، يحبسون أنفاسهم، وسط استعداد لهجوم كبير يعتزم جيش الأسد شنه مدعوماً بالميليشيات وبغطاء حربي جوي روسي، وفقاً لتقارير أشارت إلى أن المدفعية الروسية تم تحريكها من قواعدها خلال الأسبوعين الماضيين، وهي الآن في طور الإعداد، بعد 10 أيام من الضربات الجوية المكثفة على المدينة. وترى موسكو أنه لا مناص من عملية عسكرية في حلب، خاصة وأن الفائز بتلك المنطقة الإستراتيجية سيكون قد حسم الحرب ميدانياً لصالحه. ولذلك يمكن تفسير زيادة وتيرة الغارات التي يشنها النظام على المدينة والتي يقتل فيها شخص كل 25 دقيقة، فيما يصاب آخر كل 13 دقيقة، وفقاً لتقديرات دي ميستورا، فما هي إلا تمهيد من طرف النظام لمعركة «كل المعارك»، على حد وصف وسائل إعلام نظام الأسد، لاستعادة «جوهرة سوريا» من سيطرة المعارضة، والتي عادت إلى الواجهة مجدداً بعد أن كانت محل نزاع بين قوات الأسد والمعارضة المسلحة، حيث المدينة مقسمة منذ عام 2012 بين أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المقاتلة، وأخرى غربية واقعة تحت سيطرة النظام.
ورغم أن المدينة من أبرز المناطق المشمولة بوقف الأعمال القتالية الساري منذ 27 فبراير الماضي الذي تم التوصل إليه طبقاً لاتفاق أمريكي روسي حظي بدعم مجلس الأمن، إلا أن الطائرات الحربية الروسية والسورية لم تتوان عن تدمير أكثر من 20 حياً في المدينة على رؤوس أصحابها. وتبدو روسيا مصممة على حسم معركة حلب لصالح الأسد خاصة بعد التصريحات التي أطلقها نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف والتي أكد فيها أن «موسكو لن تطلب من دمشق وقف غاراتها الجوية على حلب»، مضيفاً «لن نمارس ضغوطاً على نظام الأسد ليوقف ضرباته لأن الوضع في حلب يندرج في إطار مكافحة الإرهاب»، على حد وصفه.
وتفسر تصريحات المسؤول الروسي، لماذا أصرت موسكو على إعلان تهدئة أطلق عليها «نظام الصمت» في معاقل الأسد خاصة مناطق الغوطة الشرقية ودمشق ومناطق ريف اللاذقية الشمالي، في وقت تم فيه استثناء حلب وحمص من تلك التهدئة. ولأن الموقف لا يخلو من مناورة أمريكية، فمن غير المعلوم لماذا رضخت واشنطن لموسكو وقبلت باستثناء حلب من اتفاق التهدئة «نظام الصمت»؟!
وقبل أيام طلب السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين من مجلس الأمن الدولي أن يدرج مجموعتي «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» المعارضتين اللتين شاركتا في مفاوضات جنيف، « في لائحة المنظمات الإرهابية.
و«جيش الإسلام» حركة إسلامية مقاتلة، ويعتبر أهم فصيل معارض مسلح في الغوطة الشرقية في ريف دمشق. واختير محمد علوش، أحد قادة «جيش الإسلام» السياسيين، كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات.
* وقفة:
بينما ترزح حلب تحت نيران قصف نظام الأسد وروسيا، ويقتل فيها مئات المدنيين بينهم نساء وأطفال، ويستهدف فيها جيش النظام المستشفيات والمراكز الصحية بشكل متعمد، يستعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «صاحب المساعي الحميدة»، للتوسط في الخلاف بين واشنطن وطهران بشأن الأموال الإيرانية المجمدة في أمريكا، على خلفية تورط طهران في اعتداءات إرهابية!